- تركهم يفتشون المنزل وتوضأ وصلَّى ركعتين وانتظرهم

- اقتحموا غرف المنزل واستولوا على كل شيء ثمين

- التهمة أسطوانة مشروخة مع كل معتقلٍ من الإخوان

- د. إبراهيم مصطفى يعالج أمناء الشرطة بالسجن

 

حوار- إيمان إسماعيل:

"بلاغٌ إلى النائب العام ومَن يهمه الأمر.. أنه في الثالثة من فجر الرابع عشر لشهر مايو الماضي؛ هاجم عددٌ كثيفٌ من اللصوص وأفراد العصابات منزل الدكتور إبراهيم مصطفى إبراهيم في شارع الجمهورية بوسط القاهرة، بعد تنكرهم في زي رجال شرطة وأفراد أمن مركزي، إلا أن صورهم المزيفة رغم إتقانها انكشفت سريعًا مع أساليبهم غير الآدمية في ترويع بيتنا وجيراننا، وبعد ما عمدوا إليه من سرقاتٍ في المنزل لكل ما استثمنوه من أجهزة ومقتنيات بحجة تحريزها، وخطفهم الدكتور إبراهيم باتهاماتٍ واهية فشلت في إقناع أصغر أطفال أسرتنا؛ لذا نطالبكم بالتدخل وتحرير والدنا من مختطفيه ومعاقبتهم بأشد العقوبات المقننة ضد جرائم السرقة والترويع والاختطاف".

 

برقية خطَّها ذهول أبناء الدكتور إبراهيم مصطفى بعد اعتقاله ضمن مجموعة الـ13 بالتهمة الأحدث ابتكارًا في أروقة أمن الدولة وهي غسيل الأموال والاتصال الخارجي، وهي البرقية التي صادرها محامو الدكتور بعدما أكدوا لأسرته أن جرائم الاختطاف والسرقة تتم بالملابس الرسمية وبأوامر عليا.

 

(إخوان أون لاين) التقى مع أسرته فقدمت الزوجة تعريفًا لنا به قائلةً: إن الدكتور إبراهيم إنسان غاية في الأدب والذوق الرفيع، تُزِّين الابتسامة وجهه ويكسي التواضع ملامحه، وتحكي إنجازاته عنه فلا يتكلم عن نفسه، فهو مدير مشروع علاج نقابة الأطباء، والمؤسس للعديد من مشروعات العلاج في النقابات المهنية، وصاحب أنشطة فعَّالة ومبتكرة في النقابات يشهد لها الجميع على مدار أربعين عامًا لم يتغيب عنها إلا لأسابيع حال اعتقاله في اعتقالات سبتمبر الشهيرة عام 1981م، كما أنه صاحب عدة دراسات عن المهن الطبية، وشغل منصب مدير مستشفى الجمعية الطبية الإسلامية، فضلاً عن أنه استشاري العلاج للعديد من النقابات المهنية ولعددٍ من المستشفيات.

 الصورة غير متاحة

عدم مراعاة حرمة البيوت.. أسلوب يتبعه أمن الدولة!!

 

وتصف ليلة اعتقاله: فوجئنا في الثالثة إلا ربع صباحًا بطرقات شديدة على الباب من ضابط بزي مدني يصحبه عددٍ من الضباط بزي أسود ومعهم رشاشات كالتي يحملها الصهاينة في وجه الفلسطينيين؛ وذلك بعد أغلقوا العمارة ومنعوا أي شخصٍ من دخولها أو الخروج منها، وقاموا بإيقاظ البواب بهمجيةٍ شديدةٍ وحملوه من سريره وألقوه على الأرض وقالوا له "في سُكات.. طلعنا على شقة الدكتور إبراهيم".

 

فتح زوجي الباب وخاطب الضباط بأدبه الجم ثم تركهم ليتوجه إلى الحمام فتوضأ وشرع في الصلاة، بينما انتشروا هم في أرجاء المنزل وفتشوا كل أركانه، ولم يتركوا مكانًا إلا وضعوا فيه بصمةً من بصماتهم التخريبية، حتى ملابسنا بعثروها وألقوها خارج الدولاب، وتوجهوا لغرفة البنات؛ الأمر الذي جعلني أصرخ بهم "البنات نايمة إزاي هتدخلوا وأنتوا لابسين أسود والرشاشات اللي في إيدكوا دي.. البنات هيتخضوا"، ولكنهم صمموا على الدخول، فذهبتُ مسرعةً مع ابني الأكبر وغطيتهن قبل أن يدخلوا لتفتيش الغرفة..

 

وظلوا في المنزل حتى الرابعة والربع فجرًا يفتشون ويبحثون عن أشياء لا ندري ما هي ويستولون على أي شيءٍ ثمين يجدونه بحجة أنها أحراز، فصادروا أجهزة المحمول، وجهازي "لاب توب" أحدهم كان بكرتونته ولم يُستخدم بعد، ومجموعة كبيرة من الكتب العادية الموجودة في الأسواق وتُباع في معرض الكتاب، وغيرها من المقتنيات الشخصية.

 

كنتُ مع ابني مصطفى بصحبة الضباط أثناء التفتيش، أما الدكتور إبراهيم فقام بتغيير ملابسه وشرع في الصلاة ثم أعدَّ نفسه وانتظرهم بجوار الباب في هدوءٍ جميلٍ وثباتٍ انعكس علينا جميعًا، قبل أن يقتادوه عقب انتهائهم.

 

وخلال الاقتحام حاصر الجنود العمارة بمداخلها وملأت جموعهم الشارع ومنعوا الجيران من فتح أبوابهم، بعد أن حاولوا الاطمئنان على الدكتور ومعرفة ما الأمر فهددهم الأمن "ادخلوا واقفلوا الباب"، فانسحبوا من هول المنظر.

 

وتتساءل: كيف تتردى البلاد لهذا المستوى؟ ومَن المستفيد من وراء ذلك كله؟، ومَن وراء ذلك المسرح الذي ينسج اتهامات خيالية عن غسيل الأموال وقلب نظام الحكم وغيرها ويعيد تلك المسرحية كل حين أمام أسماء مختلفة من الإخوان المسلمين؟.. وإني لأشفق على هؤلاء الذين باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم، فينالهم المشقة والتعب في الدنيا مع عملهم الإجرامي، غير ما يعده الله للظالمين يوم يقوم الأشهاد، أما نحن فنفخر بأعمالنا ومواقفنا في الدنيا ويؤجرنا الله عنها في الدنيا والآخرة.

 

اصطفاء

 الصورة غير متاحة
   آلاء ابنة الدكتور إبراهيم مهندسة كمبيوتر تقول: كنت نائمة ولم أعرف أن أبي تم اعتقاله إلا في الصباح، وفوجئت بالخبر، خاصةً أن الاعتقال لم يسبقه أية مناوشات أو تضييقات، ولكن كل شيء ممكن توقعه في بلادنا لا يعرف مديروها معنى الديمقراطية أو الحرية.. وإن كان والدي قد أوحشنا كثيرًا إلا أن فخرنا به قد ازداد ونحن من خلفه وعلى الطريق صابرين.

 

ابنته آية كانت مستيقظة مع أمها وأخيها وقت الاعتقال ورغم ما نشره العسكر من فزع وإرهاب بالمنزل إلا أنه وبمجرد نزولهم ظلت تذكر أسرتها بأن تحمد الله؛ لأن الله اصطفاهم دون الخلق لرفع منازلهم بابتلائه.

 

أما الابنة آمنة فتوجه رسالةً لأبيها وكل أسر المعتقلين فتقول: إننا في زمن قُلبت فيه الموازين يُعتقل فيه الشرفاء وذوو العقول النابضة ويطلق فيه المجرمون والجناة الحقيقيون، حتى أصبحت تهمتنا أننا ثابتون على مبادئنا ولن نغيرها ولن نتركها فإذا ابتغينا العزة في غير الله أذلنا الله.. فيجب أن نقوى ونصبر وأن نثبت أن علاقتنا بالله أقوى من أي محنة.

 

وتضيف: رغم اعتقال والدنا في سجن المحكوم مع الجنائيين وأصحاب السوابق إلا أننا لا نفكر في التفاصيل مع علمنا أنه كلما اشتدَّ الأمر كان ثوابه أكبر، وكلما كانت قوة التحمل أكبر كان الثواب أنقى ولله الحمد، فالله عزَّ وجل يرسل للفرد نفحاتٍ من حيث لا يدري تهون عليه، فالبرغم من مشقة السجن إلا أن أبي يقوم بمعالجة أمناء الشرطة هناك مما يهون عليه ويشعر أن لديه رسالة ومهمة عظيمة، وعلى الرغم من أنها معاملة لا تليق بمهندسين وأطباء فهذا ليس قدرهم.

 

وجود أبي مع الجنائيين جعلنا لا نُخبر جدتي باعتقاله لفترةٍ طويلة، وبمجرد أن أخبرناها مرضت وأجهشت في البكاء، وإلى الآن لم تستطع الذهاب إليه لزيارته لأنها لا تستطيع أن تراه في هذا الموقف.

 

حتى موظفو النقابة والمديرون في حالة ذهولٍ تام وأسفٍ شديد، حتى إننا عندما نذهب له في الزيارات لنطمئن عليه لا نجد الوقت الكافي حتى نجلس معه من السيل المنهمر من البشر المتوافد عليه لدرجة أنه كثيرًا ما يقول لهم "لما كل النقابة هنا أمال مين بيشتغل هناك؟"، ويرجوهم أن يعملوا بجد وإخلاص، وألا يتوقفوا عن العمل ولو للحظة واحدة فهو لله وحده ولا لأحدٍ سواه.