- الاعتقالات تطاردنا والمجتمع يطالبنا بالتغيير

- التفاوض مع النظام مقبول.. بشروط

 

حوار- عصام فؤاد:

قال له شيخه حسن عليان رحمه الله: الإسلام اليوم مثل سفينة تريد العبور بمَن فيها إلى البر، وعلى سطحها تجد الربّان والملاّحين وكل معاونيهم، كما ستجد مسافرين تحملهم السفينة ولا يفعلون شيئًا، أما في باطنها فستجد من يشغّلون محركاتها ويدفعونها لتمضي إلى الأمام، ورغم أهمية كل الأدوار والحاجة إليها إلا أنه يبقى الأعظم هم أولئك الذين قد لا تشعر بهم وأيديهم ملطخة بالشحم، ولكنك فقط ترى صنيعهم في مضي السفينة دومًا للإمام.

 

كلمات وعاها ضيفنا كما وعى قوله صلى الله عليه وسلم: "وشبابك قبل هرمك"، حتى إنك تشعر أن ذلك الشيب البادي في شعره ولحيته؛ جاء بعد أن أفنى كل الشعر الأسود في دعوة الإسلام وجماعة الإخوان المسلمين.

 

هو محمد هشام حسني صقر من مواليد 22 يناير 1955م بمصر الجديدة القاهرة، حصل على بكالوريوس هندسة عام 1976م ودرجة استشاري عام 1991م، ودرس التربية فحصل على دبلوم عام في كلية التربية جامعة عين شمس عام 1993م ثم دبلوم خاص عام 1994م في قسم علم النفس التربوي، ثم حصل على الماجستير عام 1997م، وتقدم بعدها لاختبارات بكلية التربية جامعة الأزهر، وتم تعيينه مدرسًا مساعدًا بعد سنة دراسة واجتياز اختبارات المواد الشرعية، قبل أن ينال درجة الدكتوراه عام 2002م في علم النفس التربوي.

 

قبسات

* في بداية لقائنا؛ نود أن نعرف متى وكيف تعرفتم على جماعة الإخوان؟

** بدأت التعرف على الإخوان فكريًّا أواسط السبعينيات بقراءة كتاب (قبسات من الرسول) للأستاذ محمد قطب، وشدَّني كثيرًا فهمه للإسلام والنظرة العميقة لأحكامه، فسألت عنه، ودلني من عرفه على أخيه الأستاذ سيد قطب وقصته مع عبد الناصر، فاشتريت (في ظلال القرآن)، وقرأته بِنَهَم لأتعرف إسلامًا جديدًا يختلف عن الصورة الواهنة التي تقدم لنا، وعرفت أن الأستاذ "سيد" عضو في جماعة الإخوان التي أسسها الإمام حسن البنا، فبحثت عن كتابات البنا وقرأت رسائله، فأثرتني هذه القراءات بصورة كبيرة جدًّا، وغيرت فهمي للإسلام بصورة جذرية.

 الصورة غير متاحة

الإمام الشهيد حسن البنا

 

وكنت حتى ذلك الحين لم ألْتَقِ أحدًا من الإخوان، إلى أن التحقت بالجيش ضابط احتياط، ورأى ضابط كتابات للأستاذ سيد قطب والأستاذ البنا معي بالوحدة، وكان محبًّا للإخوان، فأخبرني أنه عنده بالبلدة أفراد من الرعيل الأول للإخوان: محمود أبو عبية، ومحمد العدوي، فسافرت معه إلى قريته بالدقهلية، وذهبنا لمنزل الأستاذ محمود أبو عبية وتعرفته، وأثناء لقائنا جاءته دعوة للقاء عدد من إخوانه بمنزل مجاور، فانتقلنا معه؛ حيث وجدنا الأستاذ محمد العدوي وعددًا من الإخوان القدامى، وتكلم العدوي عن معنى الانتماء للإسلام، ومنه الانتماء لعمل دعوي يقيم هذا الدين، وبعد كلمته كانت مناقشات فكرية وفقهية اتسم بعضها بالقوة والشدة، حتى إني خفت أن تتحول لما هو أسوأ، إلا أنني فوجئت بها تنتهي بالضحك والحب والمودة، رغم الاختلاف الشديد بين أصحابها في الآراء، وكان هذا درسًا عمليًّا عن الأُخُوّة، وخرجت من اللقاء وأنا عازم النية على البحث عن الإخوان في القاهرة.

 

ولم يطل الوقت كثيرًا، فبينما أطالع في كتاب (الظلال) جلس بجواري أحد المصلين معنا في المسجد، وكنت أعرفه معرفة سطحية، ودار حديث حول الكتاب، وتوطدت العلاقة بيني وبينه، وبدأ يحدثني عن الإخوان بشكل واضح وصريح، حتى زرنا الأستاذ مصطفى مشهور، وهناك بايعت على الانضمام للجماعة.

 

السادات

* وكيف كانت صورة الجماعة ذلك الحين؟

** الجماعة كانت وقتها في مرحلة تكوين جديدة من روافد مختلفة، سواء من الجامعة أو من الأحياء والمناطق التي شهدت دعوات الإخوان الفردية، أو حتى ممن تعرفوا على نشاطات الإخوان في الجامعة، وانضموا إليها عن طريق المنطقة، وهذا شكَّلَ ثراءً كبيرًا للدعوة.

 

وتقلَّبْتُ بعدها في الأحوال الإخوانية حسب الظرف والحال، وكان العمل مفتوحًا منذ انضممت عام 1976م حتى اغتيل السادات عام 1981م، وكان الاغتيال عملاً يخصُّ فصيلاً واحدًا إلا أنه أضر بالعمل الإسلامي على العموم، مع ما واجهه العمل من تضييق تسبب في انكماش نسبي، فضلاً عن اعتقالات وقانون طوارئ نعيش في ظله حتى الآن؛ ما دفعنا للحذر وستر بعض أنشطتنا، ولو سمَحَ لنا النظام بالعمل علنًا لأقمنا جمعية سجلنا بها أسماءنا، ولأدرنا لقاءاتنا بمقراتها علنًا، ولكن أبسط حقوقنا مهدرة وغير مسموح بها.

 

* هل تمَّ اعتقالكم قبل هذه المرة؟

** اعتقلتُ عام 1987م على خلفية الانتخابات البرلمانية حينها، وكانت مدة أسابيع قليلة وخرجت بعد انتهاء التصويت.

 

التنظيم الدولي

 الصورة غير متاحة
* وكيف تم اعتقالكم على ذمة القضية الأخيرة؟

** مسألة الاعتقال تحطّ عليك مثل الابتلاء والمرض من دون أن يكون لك يد فيها، وتسير بوتيرة متقاربة، تلفيقات معروفة، ثم إفراج قضائي يعقبه قرار اعتقال، ثم يُفرج عنك بعدها، وتظل القضية جاهزة للفتح مرةً أخرى في أي وقت.

 

قبيل الفجر بدقائق؛ جاءت قوة إلى المنزل وقاموا بتفتيشه، فصادروا أجهزة الكمبيوتر وجهازَيْ محمول، وبعض الكتيبات والأوراق، ثم قادوني إلى قسم شرطة مدينة نصر؛ حيث وجدت هناك الدكتور حسام أبو بكر، وكنا لا نعرف سبب اعتقالنا، وبعد ساعات نقلونا إلى مقر نيابة أمن الدولة بالتجمع الخامس، فقابلنا بقية المجموعة، ومما زاد حيرتنا في سبب اعتقال هذه المجموعة أنه لا يوجد أي عمل يربطها، بل إن أغلبها لم يكن يعرف الآخرين.

 

وبعد عرضنا على النيابة تفاجأنا بحكاية التنظيم الدولي وما تم تلفيقه لنا من تهم خائبة لا أساس لها، قبل أن تأمر النيابة بحبسنا على ذمة القضية ونقلنا إلى سجن المحكوم بمنطقة طرة.

 

* وكيف كانت مدة اعتقالكم بهذا السجن؟

** "المحكوم" مخصص أصلاً للجنائيين المحبوسين على ذمة اتهامهم بارتكاب جنايات وجرائم، منها القتل والمخدرات وغيرها، وقد مكثنا هناك ما يزيد عن ستة أشهر رأينا فيها العجب، وواجهنا العديد من الصعاب في كل شيء، في الأكل والشرب والنوم والحمّام، فظروف السجن غير لائقة بالسياسيين فضلاً عن الجنائيين، لكننا بفضل الله كنا نتجاوز الأزمة تلو الأزمة، ونحتسب أجرها عند الله.

 

وكل ما عانيناه في السجن في كفة ومعاناة الأهالي لزيارتنا كانت في كفة أخرى، فرغم ما تقدمه إدارة السجن من معاملة خاصة لنا ولأهلنا إلا أنها تبقى غير لائقة، ويتحكم كل من هب ودب بالسجن في زيارتنا، وقد يمارس عُقَده النفسية على الأهالي، مما كان يجبر بعضنا على عدم طلب الزيارة لوقف تلك المعاناة.

 

والاعتقال محنة فيها استبداد وتسلط وحبس حريات وتقييد الشرفاء بغير جرم، وكان الكثيرون يستغربون لماذا نصر على طريقنا رغم ما به من مشاقَّ، فكان بعضنا يشرح لهم، فيقولون: رغم ما في سجنكم من ظلم واستبداد إلا أنه كان فرصة جميلة لمعرفة الإخوان ورؤيتهم حقيقة بعيدًا عن الزيف الذي ترسمه أجهزة الإعلام.

 

والأشهر الأولى كنا على ظن كبير أننا سنحوّل إلى محكمة عسكرية أو محكمة أمن دولة عليا، وكنا نتواصى بيننا أن هذا أمر ليس إلينا، وهذه نقطة مهمة جدًّا في فقه السجون أن تشغل نفسك فقط بما تستطيع فعله من دعاء وصلاة، ولا تسأل متى الخروج؟ وتُوكِل ذلك لله فهو بيده وحده.

 

ورُبّ منحة في محنة.. فكنا نرى منح الله وكرمه علينا، فإذا ضاقت بك الأمور تلجأ لله وتصلي وتدعو فتجد في نفسك راحة كبيرة، وكأنك في بيتك وسط أبنائك، وكنا نضع لنا برنامجًا يوميًّا نشغل به أوقاتنا من تعلم ودراسة وقرآن وقيام، ونتابع أمور الجماعة ونناقش أحوالها.

 

صفقة

* يثار الحديث عن صفقة بين الإخوان والنظام، وأن الإفراج عنكم جزء منها.

** مصطلح الصفقة يحمل دلالات خاطئة، كمن يدبر أمرًا بِلَيْل وينكره، إلا أن الضرورة الشرعية لا تمنع ذلك مطلقًا، ولا مانع أن توافق على أمور فيها مصالح للإسلام والمسلمين ما دمت لن تتنازل عن الثوابت والمبادئ وأهدافك الكبرى وغاياتك، وأن يكون في ذلك المصلحة العامة، وتدير الأمر في إطاره الشرعي، والأدلة والنصوص هنا كثيرة.

 

ولكن بالنسبة لقضيتنا فليس بالأمر أي تفاوضات، وأحسب أنهم أرادوا تخفيف الاحتقان بالشارع، وملاطفة الإخوان مع قرار "البرادعي" ترشيح نفسه للرئاسة.

 

 الصورة غير متاحة

أ. محمد مهدي عاكف

* بالطبع تابعتم ما أثير حول تصعيد العريان لمكتب الإرشاد، فكيف ترونها؟

** هذه القضية بغض النظر عن صحة ما أثير حول تفاصيلها، تدل على المستوى الراقي الذي تدير به الجماعة أمورها، والرسالة للجميع: هذه قيادة الإخوان لو حكمت أي قطر ستحكم بنفس آلياتها، وبالاحترام الشديد للقوانين، وتقديس الشورى ولو على رأي القائد، وذلك ما لا تجده في أي مكان.

 

والأستاذ مهدي عاكف كان يريد إجراء انتخابات مكتب الإرشاد السابقة في صناديق زجاجية بأحد الفنادق الكبرى، وفي حضور الصحافة وصفوة المجتمع، إلا أن الأمن هدد باعتقال كل من يقترب من الفندق من الإخوان؛ لأن مثل هذه الانتخابات فضيحة كبرى للنظام.

 

مظلة الإخوان

*  وكيف ترى تقسيم الجماعة إلى محافظين وإصلاحيين؟

** هذا تقسيم ما أنزل الله به من سلطان، وهناك فارق بين وجود الرأي والرأي الآخر، وبين تلك التقسيمات، فالمحافظ على ماذا يحافظ؟! وهل هو لا يُصلِح؟! والإصلاحي هل لا يحافظ على ثوابته؟! والسؤال: هل يوجد افتراق فكري بين الإخوان أم لا؟ والإجابة لا، فما زالت مظلة الإخوان تجمعهم، ورأيهم بالشورى واحد، ومهما اختلفت الآراء فهو يغذي فكر الجماعة ويقويها ويدعمها، والاختلاف مستحب ما دامت آلية اتخاذ القرار واضحة، وما دام الأفراد يلتزمون في النهاية بقرار الجماعة.

 

ولا ننسى أن المواقع القيادية مهمتها هي تيسير العمل الدعوي، فنحن جماعة دعوية أولاً وآخرًا، وعلى كل منَّا أن يسأل نفسه كم من الناس علمته وفهمته الإسلام فهمًا صحيحًا، وكم من الوقت تبذله في سبيل الله فعلاً؟

 

* وهل أحْدَثت تلك الشائعات اضطرابًا داخل الصف؟ 

** المفروض أن مثلها لا يُحدث قلقًا لأيٍّ منَّا، فالأخ عليه أن يحصل على معلوماته بخصوص الجماعة من مصادر معينة، فلا تربكه أي شائعات أو اختلاقات صحفية؛ وذلك يحتاج شفافيةً منَّا في طرح أمورنا بالداخل.

 

كما يتطلب منا الحدَّ من تصريحاتنا لوسائل الإعلام خاصة المغرضة منها؛ لأنها قد تئوِّل حديث القيادات وتلعب في العناوين بما يفيد بغير حقيقتها، بل نقاطع تلك التي تثير الشائعات حولنا، ونرد من خلال وسائل نعتمدها، أو الاكتفاء بجهة واحدة تعبر عن رأي الإخوان وتطرحه أمام الناس.

 

وعلى أفراد الصف ألا ينساقوا وراء هذا الكلام إلى من دخل ومن خرج وهو أمر لا يشغلنا بصورة كبيرة، فالإخوان أمامهم مهمة حضارية كبيرة ونهضة كبيرة بالأمة في جميع جوانبها، وهذه مهمة كبيرة جدًّا.

 

أجيال الإخوان

 الصورة غير متاحة

* وماذا فعل الإخوان في هذه المهمة وقدموا للأمة خلال 80 عامًا؟

** لكي نكون منصفين لا بد أن ننظر لهذه الفترة بظروفها وأحوالها، فلا يمكن مثلاً أن نحسب الفترة من 54 وحتى 75 ضمن هذه الفترة، والإخوان جميعهم كانوا داخل السجون، ثم انفراجة نسبية حتى 81 ثم التضييق مرة أخرى واعتقالات، وسبع محاكمات عسكرية، ومصادرة أموال وغيرها من أعمال البطش والتنكيل.

 

ورغم ذلك نرى إنجاز الإخوان الكبير في إعادة الإسلام مرةً أخرى إلى حياة الناس بصورة فاعلة، فعندما نهض الأستاذ البنا بشعار المصحف كان الإسلام مغيبًا تمامًا، ومظاهر الانحلال والتهتك هي السائدة، والإخوان قاموا بمهمتهم حتى الآن في تربية الأفراد وفتح سبل الإسلام أمام عموم المسلمين ونشر قيمه وتعاليمه في المجتمع، والحرب ضد الإخوان شرسة جدًا، وأصعب ما فيها دور المنافقين الذين يرتدون عباءة الإسلام في الظاهر ويحاربونه من الباطن، إلا أن ما تحقق نرى أثره في انتشار الحجاب والالتزام بين الشباب، ورآه الجميع في التصويت الكبير للإخوان في أي انتخابات وشعارهم الإسلام هو الحل، ومع استمرار هذه الحرب الشعواء لا بد أن نصبر على طول الطريق، وهذا التغيير التدريجي للمجتمع، ونهاية هذه الحرب معروفة بالنصر للإسلام مهما طالت المدة.

 

* عاصرتم تقريبًا مختلف أجيال الإخوان منذ رفقاء الإمام البنا وحتى الجيل الحالي؛ فكيف تراها جميعا؟

** كل أجيال الإخوان بها خيرية كبيرة، ولعل الله يسخر كلاًّ منها في الوقت المناسب والعمل المناسب، ولكنك لا بد أن تجد فروقًا في كل جيل سواء مميزات أو نقاط ضعف؛ نتيجة طبيعة النشأة والظروف، وعامة الفرد المسلم لا بد أن يتسم بصفات وأن يقوم بواجبات هي الفروض العينية التي يأثم تاركها، ويأتي بعد ذلك فروض كفاية لا بد للجماعة القيام بها وبتركها يأثم المجموع كله، وفي هذه المساحات الشاغرة تتحرك جماعة الإخوان لتقيم شرع الله، وكانت لها الأفضلية في الذود عن الإسلام، وليس الاكتفاء بمظاهره فقط وقشوره وترك فروضه وحدوده الأهم.

 

وربما كانت ميزة أجيال 54 و65 هي الدقة الشديدة وترك مجال القول للعمل، والحب الشديد للدعوة واعتبارها أهم عندهم من حياتهم؛ لأنهم ضحوا في سبيلها بحياتهم، وجيل السبعينيات استفاد من الزخم الكبير وقتها، والمجال المفتوح للعمل أو للتعلم فكَّون خبرات جيدة، وحصَّل العلوم الشرعية بصورة كبيرة.

 

أما الجيل الحالي فهو يشهد فترة بها عمل مفتوح وتضييقات ومحاكمات عسكرية، وترى بهم جرأة قوية وحب حقيقي للدعوة، إلا أن أهم ما يعيبهم هو نقص التحصيل الشرعي، والأمر لا يخلو من فريق يغلب عنده القول على العمل والتفلسف الشديد، وأن ترى من يتكلم أكثر مما يعمل ويتفلسف أكثر، ولكنك لا تستطيع في النهاية أن تقول إن هناك جيلاً أفضل من جيل بصورة مطلقة.

 

 

 الصورة غير متاحة
* وكيف تصف العلاج لتلك العيوب؟

** أهم ما يحتاجه الإخوان الآن هي نقطة الاستدراك التربوي فيما يخص أفراد الصف، وهو جزء صعب ويحتاج جهدًا شديدًا، وربما لتعديل بعض المناهج واستخدم أدوات جديدة تدعم فكر الأفراد وتصقل ثقافتهم، إلى جانب المتابعة القوية للجانب العبادي والإيماني.

 

ومع كثرة الأعمال قد لا تجد أعدادًا من الإخوان تغطيها كلها، خاصة إذا كان الأخ المربي الجيد هو المتحرك الجيد والإداري الجيد، ما يتطلب منا إعادة توازن، وتوجيه كثير من الجهد للصف الداخلي، وأن نستدرك على أنفسنا تربويًّا فنوجد المربي الجيد، ونسد أي نقص بمناهجنا فتكون أكثر تنوعًا من الناحية الفكرية والنظرية والعملية، ونشدد على الجوانب الإيمانية والعبادية والحركة والبذل، وأساس الجماعة هو الفرد المسلم فعندما يقوى هذا الفرد تقوى الجماعة.

 

وهنا لا بد أن نذكر أن عموم الإخوان وأغلبهم هم أناس جادون ملتزمون وإلا لما ساروا في هذا الطريق المليء بالصعاب، وإن كان هناك بعض النقص البشري فهو يحتاج إلى التسديد والمقاربة.

 

والإخوان لديهم خبرات تربوية كبيرة، وأراهم الآن مثل أب يبذل جهودًا كبيرةً خاصة خارج بيته، ثم قد يفاجئه ضعف مستوى أبنائه، فيرجع إليهم ليقوِّم سلوكهم وينهض بهم.

 

* وبماذا تنصح كل أخ لأداء دوره في الجماعة؟

** أقول له: يجب أن تفهم جيدًا عقيدة وفكر وفهم الإخوان المسلمين، وخصائص دعوتهم وأهدافهم وشرعية التدليل على كل أجزاء فكرها، وأن يكون الفرد موصولاً بالله في عبادته وإيمانياته، وتكون بيعة كل أخ مع الله أولاً قبل الأفراد، فالإخوان هي فكرة وعقيدة، وعلى الأخ دائمًا أن يُراجع نفسه وعمله في سبيل الله، وكم من الجهد والبذل يقدمها لدعوة الله، وبالمحاسبة يكون الارتقاء بالإيمان والعمل، وهما ما سنلقى الله بهما فرادى، فلذا علينا أن نجدد نوايانا باستمرار والبعد عن اللغو واللغط والتحرك في المجالات المنتجة فقط، وليكن شعارنا عند السؤال عن فلان أو علان قول الله سبحانه: ﴿قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ (الأنعام: من الآية 135) وقوله: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ (البقرة: الآية 141).