حكى عبد الله بن إبَّان الثقافي فقال: "وجهني الحجاج في طلب أنس بن مالك فظننت أنه يتوارى عني، فأتيته بخيلي ورجلي، فإذا هو جالس على باب داره مادًّا رجليه فقلتًُ له: أجب الأمير. فقال: أي الأمراء؟!. فقلتُ: أبو محمد الحجاج. فقال وهو غير مكترث: أذله الله، وما أعزه؛ لأن العزيز من عزَّ بطاعة الله والذليل من ذل بمعصيته، وصاحبك قد بغى وطغى، واعتدى وخالف كتاب الله وسنة نبيه، والله لينتقمنَّ الله منه.

 

فقلتُ: أقصر عن الكلام وأجب الأمير. فقام معنا حتى حضر بين يدي الحجاج، فقال الحجاج: أنت أنس بن مالك؟. قال: نعم. قال: أنت الذي تدعو علينا وتسبنا؟. قال: نعم. قال: وممَ ذاك؟!. قال: لأنك عاصٍ لربك، مخالف لسنة نبيك، تعز أعداء الله وتذل أولياء الله. قال الحجاج: أتدري ما أُريد أن أفعل بك؟. قال أنس: لا. قال الحجاج: أريد أن أقتلك شرَّ قتلة. قال أنس: لو علمتُ أن ذلك بيدك لعبدتك من دون الله، ولكن لا سبيل لك إليَّ.

 

قال الحجاج: ولِمَ ذلك؟. قال أنس: لأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم علمني دعاءً وقال لي: "مَن دعا به في كل صباحٍ لم يكن لأحدٍ عليه سبيل"، وقد دعوتُ به في صباحي هذا. فقال الحجاج: علمنيه. قال أنس: معاذ الله أن أعلمه لأحدٍ ما دمت أنت في الحياة. قال الحجاج: خلوا سبيله. قال الحاجب: أيها الأمير، لنا في طلبه كذا وكذا يومًا حتى أخذناه، فكيف تُخلي سبيله؟!.
قال الحجاج: رأيتُ على عاتقيه أسدين عظيمين فاتحين أفواههما. ثم إن أنسًا لما حضرته الوفاة علَّم الدعاء لإخوانه، وهو: "بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله خير الأسماء، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه أذى، بسم الله الكافي، بسم الله المعافي، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، بسم الله على نفسي وديني، بسم الله على أهلي ومالي، بسم الله على كل شيء أعطانيه ربي، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أعوذ بالله مما أخاف وأحذر، الله ربي ولا أُشرك به شيئًا، عز جارك وجل ثناؤك وتقدسك أسماؤك، ولا إله غيرك، اللهم إني أعوذ بك من شرِّ كل جبارٍ عنيد، وشيطانٍ مريد، ومن شرِّ قضاء السوء، ومن شر كل دابةٍ أنت آخذٌ بناصيتها، إنَّ ربي على صراط مستقيم".

 

فهيا بنا ندعو بهذا الدعاء كل صباح، فلا رادَّ للقضاء إلا الدعاء.. ﴿وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ (غافر: من الآية 60)، ودعاء المظلوم ليس بينه وبين الله حجاب حتى وإن كان المظلوم كافرًا، فما بالنا بدعاء المؤمنين المتقين المظلومين.. "اتقوا دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب".

 

أيها الحكام.. إن أردتم بفعلكم هذا إذلالنا، فالله تعالى هو الذي يعز مَن يشاء ويذل من يشاء.. إن أردتم بذلك إرهابنا، فنحن لا نرهب إلا الله.. إن أردتم بذلك قطع أرزاقنا، فالأمر بيد الله يرزق مَن يشاء بغير حساب.. ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)﴾ (البقرة)، فيا بشرانا فنحن إن شاء الله الصابرون.. هذا حالنا في الدنيا والآخره، ونحن على يقينٍ وثقةٍ بالله، فلن يخلف الله وعده.

 

قد علمنا حالنا، فهلا أخبرتمونا عن حالكم؟!!، لا أظنكم تجيبون، ولكن الله تعالى يجيب: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43) وَأَنذِرْ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعْ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمْ الأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (52)﴾ (إبراهيم) صدق الله العظيم.