• الحاكم وحده صاحب حق إعلان الجهاد.
  • تأمين الأجنبي أمر واجب وإن ثبت تورطه في أعمال استخباراتيه.
  • الصهيوني مُهْدَر الدم داخل فلسطين وخارجها.
  • الأزهر غير تابع للحكومة وتعيين شيخه أفضل من انتخابه.

 
أثناء الاجتياح الأنجلو أمريكى الغاشم للعراق، وعند تصاعد الأحداث على أرض فلسطين زحفت مئات الآلاف من أبناء الشعب المصري نحو ساحة الجامع الأزهر تُنادي بفتح باب الجهاد، مما أثار العديد من التساؤلات حول فتح باب الجهاد.. ومَن المخوّل بإعلان ذلك؟

وما الفرق بين العمليات الاستشهادية على أرض فلسطين أو العراق، وبين تفجيرات الرياض والدار البيضاء؟

وما حكم الاعتداء على الأجنبي المقيم بديار المسلمين حتى وإن كان حربيًا؟

وأين دور الأزهر الشريف في قيادة الأمة نحو مشروعها الجهادي، وضبط انفعالات ومشاعر الجماهير؟

كل هذه الأسئلة وغيرها طرحناها على فضيلة الدكتور "علي جمعة" – أستاذ أصول الفقه بجامعة الأزهر والعالم المعروف– ورغم أن إجاباته على بعض الأسئلة قد نختلف أو نتفق معها إلا أنها بلا شك سوف تسهم في تفعيل الحوار.

* بداية.. من المخوّل بالدعوة لفتح باب الجهاد ضد المعتدين؟

** المخوّل بإعلان فتح باب الجهاد هو الإمام الذي يتبعه جيش منظم قادر على الحرب النظامية؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- عندما كان في مكة لم يكن عنده جيش، ولذلك لم يعلن الجهاد، ولما طلب منه بعض أصحابه– وكان منهم "عبد الله بن مسعود"– أن يُعلن قتال أهل مكة غضب غضبًا شديدًا، وقال  "فيما معنى الحديث" "إني رسول الله ولن يخزلني الله، وإن الرجل فيمن كان قبلكم كان يُوضع في رأسه مشط الحديد فيمشط حتى يقسم نصفين لا يرده ذلك عن دينه شيئًا.. والله ليبلغن هذا الأمر حتى تسير الظعينة "المرأة" من مكة إلى صنعاء لا تخاف إلا الله والذئب على غنمها".

أي أنه لما كان هناك حالة من العداء بين المسلمين والمشركين وأذى من المشركين لم يأمر النبي- صلى الله عليه وسلم- أصحابه إلا بأن يقولوا: لكم دينكم ولنا دين.. أما عندما تجيشت الجيوش بالمدينة، وأصبح هناك أرض وهناك نظام وقدرة على القتال.. مارس النبي- صلى الله عليه وسلم- القتال دفعًا للعداء ورفضًا للطغيان مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ (البقرة:190).

ثم توالت الآيات التي تُوضح دستور الإسلام في الجهاد ﴿فَإِنِ انْتَهَوا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ البقرة:193). وغيرها من تشريعات الجهاد.

والنبى- صلى الله عليه وسلم- علمنا أنه لا قتال إلا تحت راية، والذي له حق إعلان الجهاد صاحب الراية.. وصاحب الراية في هذه الأيام هو رئيس الدولة في كل بلد وهو الذي يستطيع أن يقدر– هو وجماعة القادة معه– إذا ما كانت هذه الحرب نافعة أو خاسرة؟ إذا ما كانت هذه الحرب ستحمي المسلمين أو تضرهم؟ إذا ما كانت ستدفع عدوانًا أو ترفع طغيانًا من عدمه؟

* إذن..فما حُكم من يتسلل من الشباب متجهًا للجهاد على أرض فلسطين.. دون إذن الحاكم ويسقط قتيلاً؟

** هو شهيد، لأن فلسطين حالة خاصة.. ليست هي الحالة العامة الموجودة في الأرض.

* كيف؟

** لأن فلسطين فيها عدو استولى على الأرض، وهذا الاستيلاء جرَّمته المواثيق والقرارات الدولية، ومع ذلك لم يتبع الصهاينة إلا منطق القوة والأمر الواقع، وترك العالم اليهود يسعون في الأرض فسادًا، فاستطاعوا أن ينتزعوا الشرعية الدولية إلى الآن للأراضي المحتلة بعد 1967م، والتي ينشئون بها المستوطنات، ويدكون فيها البلاد ويرتكبون المذابح وينتهكون المقدسات، خاصةً مدينة القدس الشريف، فـ"إسرائيل" إذن حالة خاصةً لا وجود لها في الأرض فنحن أمام احتلال مجرم، وهذا هو أصل الإرهاب.

* وما حكم العمليات الاستشهادية التي– للأسف– أدانها البعض أو طالب بوقفها؟

** من يقوم بعمليات فدائية ضد الصهاينة ويفجر نفسه.. هو شهيد دون شك؛ لأنه يدافع عن وطنه ضد عدو محتل، وتؤيده الدول الكبرى مثل أمريكا وبريطانيا.

* هل تفرق في العمليات الفدائية بين العسكري ومن يُقال أنه مدني من الصهاينة؟

** الصهاينة أنفسهم لم يفرقوا بين المدني والعسكري، وجعلوا الشعب كله تحت طلب الجيش، والمستوطن المدني الذي يحتل الأرض في حالة حرب هو حربي.. ثم إنهم جميعًا سواء عسكريين أو مدنيين يحملون السلاح، أي أنهم من أهل القتال.

* هل تفرق بين العمليات التي تقع داخل حدود 48 أو التي تقع داخل حدود 67؟

** الصهاينة لم يفرقوا أيضًا بين الحدود فاحتلوا جميع الأرض.. نحن نفرق إذا ما كان هناك تفرقة.. ليس هناك فرق بين تل أبيب والقدس أو الخليل.

* هل يجوز قتل "الإسرائيلي" المسافر خارج حدود دولته؟

** نعم يجوز قتله، لأنه حربي، والحربي هذا مفسد في الأرض.

* حتى لو كان يرتدي زيًا دبلوماسيًا مثلاً؟

** يرتدي زيًا دبلوماسيًا كما يشاء، لكنه مُهْدَر الدم.. إلا أن مسألة هدرالدم هذه لا تُوجب قتله إنما تُجيز قتله فقط.

* الأجنبي– بشكل عام– وإن كان محاربًا للمسلمين.. بدخوله بلاد المسلمين وحصوله على تأشيرة إقامة.. هل هذه التأشيرة تعد وثيقة أمان له؟

** نعم.. حتى وإن كان حربيًا.

* نفهم من ذلك أنك تُجرِّم تفجيرات الرياض والدار البيضاء؟

** طبعًا.. ما حدث كلام تافه.. فقد وُجد  أجانب ضمن القتلى، ليس بيننا وبينهم حرب كالفرنسيين أو البلجيك، بل على العكس كان لهم مواقف مؤيدة للمسلمين.. الأكثر من هذا أن تلك التفجيرات مات فيها مسلمون، فهؤلاء يعدون من معصومي الدم سواء المسلم أو الأجنبي المستأمن ولا يجوز الاعتداء عليهم.

* هل يجب تأمين أي أمريكى مقيم في بلد مسلم؟

** طبعًا.. لابد أن نؤمنه ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ﴾ (التوبة:6).

* ولو ثبت أنه يقوم بأعمال استخباراتية– مثلاً– ضد الدولة المقيم فيها؟

** الدولة هي التي تُعاقبه.. وهي التي تثبت ذلك؛ لأنها هي التي أعطته تأشيرة الإقامة.. ولا يجوز للأفراد أن يقوموا بذلك، لأنه لا يجوز الافتئات على الإمام، فما كان من شأن الإمام لا يتدخل فيه الأفراد.

* انتشار ظاهرة الاستشهاد في بقاع العالم الإسلامى الذي يُواجه أهله قتالاً.. هل سبق وشهد التاريخ الإسلامي مثل هذه الظاهرة بهذا الانتشار؟

** لا.. لم يشهد تاريخ الإسلام انتشار ظاهرة الاستشهاد بهذا الأسلوب.. كما أنه لم يشهد- أيضًا– مثل هذه "العقليات" التي لا تُريد أن تفهم.

* هل هذه الظاهرة تعد– إذن– رد فعل؟

** لا بل هي طريقة تعامل مع من أراد أن يُميت الناس بغير ثمن.. وليس هذا نوعًا من الإحباط من قبل الاستشهادي، بل فعلاً واضح المعالم مرتبًا يريدُ به الاستشهادي وجه الله والجنة.

* ألا ترى أن الفقه الإسلامي الآن لم يتعرض بشكل محدد لقضايا الحريات والكبت السياسي وحرية المواطن.. وغير ذلك من القضايا السياسية التي تُعاني منها الشعوب المسلمة؟

** هذا لأنك لم تقرأ الفقه الإسلامي.

* أنا أتحدث عن الواقع يا دكتور؟

** الواقع لا يريد أن يُطبق الإسلام.

* الكثير من الفقهاء لم نرهم يعلنون مواقفهم وفتاواهم الصريحة بشأن الحريات والقضايا السياسية؟

** كل الكتب هذه التي أُلِّفت في الحريات العامة من المسلمين عبر العشرين سنة الأخيرة وهي نحو 200 كتاب، أين ذهبت؟!

* هل ترى أن المشكلة أننا كشعوب لا نقرأ؟

** نعم.. نحن شعوب غير قارئة. الأمية الهجائية عندنا زادت عن 60% والأمية الثقافية زادت عن 90%، وهناك كما قُلت نحو 200 كتاب في القضايا السياسية، إضافةً للمقالات التي كُتبت في هذا الإطار.

* لعل سؤالي كان منصبًا على المؤسسات الرسمية؟

** المؤسسات الرسمية لا تريد الإسلام.

* المؤسسات الرسمية الدينية يا دكتور؟

** ماذا تعني؟! الجامعات ومجامع البحوث.

* والأزهر ودار الإفتاء.

** هناك أكثر من 500 رسالة حول هذا الموضوع موجودة في جامعات الأزهر.

* أليست هذه الأبحاث حبيسة الأدراج؟

** وهل مهمة الأزهر طباعة الأبحاث؟! أم أن هذه مهمة أهل الثقافة والمعرفة ودور النشر.. هل الأزهر هو الأمة؟! هو مجرد مؤسسة من مؤسسات الأمة يؤدي ما عليها.

* لكن الناس كانت تنتظر من الأزهر دورًا أكبر من ذلك؟

** عندما يُعطوا الأزهر أكثر من هذا يُطالبوه بأكثر من هذا، لكن الأزهر الآن ليس في عطاء الجمهور له، الجمهور لا يعطي للأزهر دوره.. وكأنه شيء منفصل عنهم.. وبعد ذلك يطلبون منه العطاء؟! والأزهر مؤسسة تنمو بنماء من ينتمون إليها، وتخبو بخباء من ينتمون إليها كما تكونوا يُولَّى عليكم.. هذه سنة من سنن الله في الكون، إنك لا تستطيع أن تسير الأمور إلا بالجمهور.

* ما الذي تطلبه من الجمهور حتى يفعَّل مؤسسة الأزهر؟

** مطلوب منه أولاً أن يتدين، وأن يصدّر الأزهر في مكانته، فعند ما– مثلاً– يصدر الأزهر قرارًا بمنع كتاب، فتقوم الصحافة تهيج وتميج، ويقوم القضاء أيضًا، ويؤيد نشر هذا الكتاب، فهل هذا مجتمع جعل الأزهر قائدًا له؟!

* من يتصدى للأزهر في مثل هذه الأمور ليس الجمهور بل هم من يمكن تسميتهم بـ"اللوبي الغربي" الموجود بيننا.. فما ذنب الجمهور؟

** والله قضية "اللوبي الغربي" هذه محل نظر.. فإذا ما نظرت للناس في الشارع لوجدت أن أقل النساء محجبات.

* بالعكس ألا ترى فضيلتكم أن الناس قد بدأت تعود للالتزام بالدين؟

** إن شاء الله بدأت.. لكنهم لا يزالون في الخطوة الأولى.

* عندما تصاعدت الأحداث داخل فلسطين أو في العراق.. ظهر التفاف الجماهير حول الأزهر، وزحف مئات الآلاف إلى ساحته في كل جمعة.. ألا يُعدُّ ذلك تفعيلاً جماهيرًا لدور الأزهر؟

** الناس التفَّت حوله كمنبر وليس كقيادة.. وهناك فرق كبير.

* كيف؟

** منبر أو مكان قصده الناس ليجدوا فيه مُتسعًا ينفسون فيه عن مشاعرهم، لكن القيادة معناها تبني المنهج والالتزام به، هناك فرق بين أن أذهب إلى مكان؛ ليكون لى متنفسًا ومكان آخر أتخذه أسوة حسنة لي وأتبعه وألتزم بمنهجه.

* لكن أليس هناك دورٌ على علمائنا الأفاضل القائمين على إدارة الأزهر؟

** هم يقومون بدورهم على خير وجه، لكن لا يراد للأزهر أن يكون قائدًا يفرض نفسه على أحد، ولن يقدر على ذلك والنبي- صلى الله عليه وسلم- يُنبهنا القيادة تكون تقديم الشخص أو المؤسسة عند الامتناع به.

* ألم يسهم ارتباط الأزهر بالمؤسسة الرسمية في إضعاف دوره؟

** هناك فرق بين الدولة والحكومة.. والأزهر طوال عمره ما كان تابعًا للحكومة فلم يحدث أن رشح أحدًا لمجلس الشعب أو شارك في تشكيل مجلس الوزراء.. إنما هو تابع للدولة.. والخروج على الدولة يُعدُّ خروجًا على النظام ويُعدُّ جريمة وهذا أمر مستقر عليه في كل دول العالم.. بينما الخروج على الحكومة جائز، فشيء طبيعي أن يكون الأزهر مؤسسة من مؤسسات الدولة وإلا كانت الفوضى.. وليس مطلوبًا من الأزهر أن يخرج عن القانون أو النظام العام ليكون له دور، فالخلط بين الدولة وبين الحكومة واتهام الأزهر بأنه تابع للدولة بمعنى أنه تابع للحكومة فهذا تلبيس في الكلام.

* معلوم بالطبع أن هناك فرق بين الدولة والحكومة.. ولكن نحن الآن– واقعيًا– أمام نموذج باتت فيه الدولة، والحكومة، والحزب الوطني شيئَا واحدًا!!

** هذا عندك أنت.. هذا رأيك الشخصي، لكن واضح الانفصال بين النظام وبين الأشخاص، النظام مستمر وقائم وله أسس ومن يخرج عن النظام يجوز لي أن أشكوه أمام القضاء، فيجوز لي أن أشكو أي مسئول- وزيرًا كان أو رئيسًا للدولة- لكن لا يجوز لي أن أشكو النظام العام أو أن أشكو الدولة؛ لأن النظام هو الدستور والدولة هي القائم على تنفيذ هذا الدستور.. وكل من جاز لي أن أشكوه فلا يُعدُّ هو الدولة وليس هو النظام.. والأزهر تابع لهذا النظام والدولة، وأحيانًا يقف الأزهر ضد بعض تصرفات الحكومة، مثلما حدث في مؤتمر السكان الذي عقد بالقاهرة، وكذلك مؤتمر (بكين) الذي أصدر الأزهر بيانًا ضد توقيع الحكومة على بيان المؤتمر الختامي.. إذن فالأزهر مؤسسة مستقلة، ونحن نخطب خطبة الجمعة ليس هناك من يستدعينا ويقول لنا قل ولا تقل.. ونقول ما نريد.

* البعض يثير مسألة تعيين شيخ الأزهر وانعكاساتها على ضعف الأداء؟

** شيخ الأزهر يعين من قبل الحاكم منذ أول شيخ إلى يومنا هذا، ولم يحدث في تاريخ الأزهر أو في تاريخ أية دولة متحضرة، إن كانت المناصب العليا بالانتخاب، مثل قائد الجيش مثلاً، بل إن قاضي قضاة لندن يعينه الملك.. موضوع الانتخاب يُعدُّ كلام أولاد صغار.

* البعض يرى أن الأزهر كمؤسسة لا يجب أن يرتبط بمصر فقط، ويطالبون بأن يتم اختيار شيخه عن أية دولة في العالم الإسلامي؟

** عندما يحولون الحرمين الشريفين إلى مؤسسة دولية.. يبقوا يبحثون تحويل الأزهر لمؤسسة دولية! المناصب العليا لا يمكن أبدًا أن تُترك للانتخابات؛ لأن الانتخابات لا تعبر التعبير الدقيق.. وتحدث أحزابًا.. لابد للانتخابات كي تتم أن تكون هناك تعددية، وكيف ندعو للتعددية في الدين ونحن ندعو للوحدة؟!

* ولكن كيف إذا ما اختلف واحد من علماء الأزهر مع فضيلة شيخ الأزهر؟

** يحدث.. ويحدث ليل نهار، وهناك فرق بين علماء الدين ورجال الدين.. ليس لدينا رجال دين يشرعون وتقبل تشريعاتهم، ولكن عندنا علماء دين يَطَّلِعُون ويختلفون ويتفقون.. ولا بأس أن نختلف كعلماء.. والخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية هناك وحدة في الهدف والمقاصد وتعدد في الآراء.