وجَّهت حركة المقاومة الإسلامية حماس انتقادات شديدة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" لترتيبها رحلة لطلاب فلسطينيين متفوقين إلى متحف للهولوكوست اليهودي ضمن برنامج حقوق الإنسان الذي تم البدء بتدريسه مؤخرًا؛ حيث أطلع الأساتذة المرافقون من العاملين في الأونروا الطلاب على معاناة الشعب اليهودي على أيدي القوات النازية، وعبروا عن عطفهم عليهم، وهو ما اعتبرته الحركة غسلاً لأدمغة الطلبة الفلسطينيين وغزوًا لأفكارهم وثقافاتهم التي نشأوا وترعرعوا عليها.

 

وكلمة (هولوكوست) مشتقة من كلمة يونانية تعني "الحرق الكامل للقرابين المقدمة لخالق الكون"، وفي القرن التاسع عشر استعملت الكلمة لوصف الكوارث العظيمة، ولكن منذ السبعينيات أصبحت تستعمل حصريًّا لوصف ما تعرَّض له اليهود على يد السلطات النازية.

 

وفي سنة 1980م خصص الكونجرس الأمريكي قطعة أرض تقع بين المباني الحكومية بالقرب من مبناه وسط العاصمة الأمريكية لـ"لجنة الهولوكوست الوطنية" برئاسة مايلز ليرمان، وهو يهودي هاجر إلى أمريكا من بولندا، وصار من أغنى أغنياء يهود أمريكا، وخلال سنوات قليلة جمع ليرمان قرابة مائتي مليون دولار لبناء متحف الهولوكوست الذي صممه اليهودي المعماري جيمس فيريد، وقد افتتح المتحف في سنة 1993م، ويضم صورًا كثيرة، وملابس وأحذية، ونماذج للمحارق، وخرائط وإحصائيات، وقاعات محاضرات واجتماعات، يعتبر المتحف المصدر الرئيسي في العالم للمحرقة، وقد زاره ما يزيد عن ثلاثين مليون شخص، منهم عشرة ملايين طالب وطالبة.

 

ومما يدل على أثر هذا المتحف أنني شاهدت منذ مدة ليست بالطويلة فيلمًا أمريكيًّا عرض في فضائية عربية يصور معلمة متميزة تعمل في مدرسة بها طلاب فقراء منحرفون من أصول عرقية متنوعة، وتبدأ في تغييرهم للأفضل برحلة لمتحف الهولوكوست يتأثرون خلالها بالقصص والصور التي يرونها فيقررون دعوة إحدى ضحايا النازية في أوروبا لزيارة مدرستهم، وتبدأ رحلة اجتهادهم بجمعهم لثمن تذكرة الطائرة، وتكلل جهودهم بالنجاح عندما تزورهم هذه المسنة وتروي لهم حكاياتها مع النازيين.

 

ومن هنا فإنني أدعو الإخوة المسئولين في غزة إلى استثمار حادثة الأونروا استثمارًا إيجابيًّا، والمسارعة إلى الإعلان عن بناء متحف هولوكوست فلسطيني.

 

ولا تخفى الأهمية الكبيرة لمثل هذا المتحف في جلب تعاطف دولي مستحق للمظلومين، ودعوات باللعنة على الظالمين، كما إنه يظل شاهدًا حيًّا أمام أصحاب الأرض يذكرهم بألا ينخدعوا بسلام الأوهام مع قتلة الأطفال؛ فيمتنعوا عن مصافحتهم أو تبادل القبلات معهم كما فعل بعض أصحاب الذاكرة الضعيقة والعقول الخرفة.

 

على أن يصمم هذا المتحف ويعمل في بنائه وتجهيزه الجرحى من أطفال المحرقة الصهيونية على غزة، وتشاركهم في العمل جميع الفصائل جنبًا إلى جنب تجسيدًا لوحدة الشعب، ويتم استخدام أدوات بدائية محلية لتكون شاهدًا على جريمة الحصار الصهيوني ومنعه لدخول مواد البناء.

 

ويجب ألا يقتصر توثيق الجرائم على غزة وحدها، بل يشمل الضفة الغربية والقدس والأراضي الفلسطينية المحتلة قبل عام 48م، ومنها مذابح دير ياسين وكفر قاسم وغيرها.

 

وتحقيقًا لوحدة شعوبنا في مواجهة المحتل، يتم تخصيص قسم من المتحف للجرائم التي ارتكبت بحق الشعوب العربية التي دافعت عن إخوانها في فلسطين كلبنان وسوريا والأردن ومصر التي حدثت فيها مذبحة مدرسة بحر البقر وقتل أسراها بدم بارد في 67م.

 

ويطلب من الرسامين والمصورين والإعلاميين وكل من لديه وثيقة أو صورة أو أفلام وثائقية أو متعلقات من أفراد الشعب الفلسطيني ومحبيه أن يدعموا المتحف بنسخة منها.

 

ويُختار الموظفون للعمل بهذا المتحف من ضحايا الإجرام الصهيوني الذين بترت أيديهم أو أرجلهم أو حرموا من نور عيونهم أو فقدوا آباءهم أو أمهاتهم أو أبناءهم أو إخوانهم، ليكونوا شاهدًا حيًّا على الجرائم البشعة ويتبادلوا الرسائل مع المناصرين لقضيتهم العادلة في جميع أنحاء العالم.

 

ويجب تأمين تغطية إعلامية واسعة النطاق ودعوة وسائل الإعلام العالمية لمعايشة عملية تشييد المتحف يومًا بيوم، وعمل مهرجان افتتاح يعلق بالذاكرة، ليطلب رؤية المتحف كل زائر لغزة، فضلاً عن أبناء الشعب الفلسطيني.

 

بعد أن كتبت الأفكار الأساسية لهذا المقال وأثناء بحثي في الإنترنت عن معلومات عن الهولوكوست، وجدت كُتَّابًا أفاضل طالبوا منذ سنوات بإنشاء "متحف الهولوكوست الفلسطيني"، كما وجدتُ موقعًا على شبكة الإنترنت يحمل العنوان نفسه أنشأه مجموعة من الشباب المصريين والفلسطينيين، بالتعاون مع زملاء لهم أمريكيين وكنديين، بتصميم مماثل لتصميم متحف الهولوكوست اليهودي في الولايات المتحدة، يحشدون فيه تفاصيل المحرقة التي تعرَّض لها الفلسطينيون ولا يزالون، مع توثيق دقيق لأداة القتل ولضحاياها، بالاسم والصورة وروايات الشهود.

 

وهذا يعني أن فكرة إنشاء متحف يجسد الجرائم الصهيونية بحق الفلسطينيين قد خطرت لكثيرين من أبناء هذا الشعب الصامد البطل ومحبيه في أماكن متعددة وعبروا عنها بصور مختلفة، ولكن يبقى السؤال: مَن الذي سيحظى بشرف التنفيذ، ويدعونا لافتتاح "متحف الهولوكوست الفلسطيني"؟!.