الهدف الذي يتفق عليه المواطنون الشرفاء، والذي يسعى إلى تحقيقه المهتمون بالشأن العام هو تأسيس دولة مصرية حديثة تقوم على أسس الحرية والعدالة, ولكن يختلف المهتمون بالشأن العام في الطريقة والأسلوب الموصل لهذا الهدف- وفي ظني فإن هذا الاختلاف لا يهم المواطنين كثيرًا بقدر ما يهمهم البدء في تنفيذ خطوات عملية على الأرض في سبيل الوصول للهدف، لذلك فهم سوف يسيرون خلف أول من يرفع راية في ذلك السبيل- وهنا نعرض إلى وجهتي النظر الرئيسيتين في تناول ما هو مطروح للوصول للهدف.

 

فهناك فريق يرى أن تعديل الدستور، وإجراء انتخابات برلمانية، وتشكيل جمعية وطنية من البرلمان المنتخب شعبيًّا لإعداد دستور جديد؛ هو بداية الطريق الموصلة للهدف (تأسيس دولة الحرية والعدالة)، وهناك فريق آخر يرى البدء الآن في إعداد دستور جديد، وتمديد الفترة الانتقالية (تمديد فترة إدارة المجلس الأعلى للبلاد) حتى يتسنى للشباب الذي شارك في الثورة تجهيز أرضية له؛ للمنافسة على مقاعد البرلمان، سأطرح هنا مزايا وسلبيات كل وجهة نظر، وذلك من خلال قراءتي للأحداث.

 

المزايا والسلبيات

أرى أن تكوين جمعية وطنية من برلمان منتخب مزية عن تشكيل لجنة من المجلس العسكري (أو أي جهة أخرى غير إرادة الشعب) لإعداد دستور جديد, وقد رأينا الاعتراضات التي ساقها البعض على أعضاء لجنة التعديلات التي شكلها المجلس العسكري, وبالتالي عندما تصبح الجمعية الوطنية جاءت بإرادة الشعب فلا يستطيع أحد الاعتراض على تكوينها وإلا يكون معترضًا على إرادة الشعب الذي هو مصدر السلطات.

 

- أرى أن الطرح القائل بإعداد دستور جديد الآن له وجاهته وبريقه عن إجراء تعديلات الآن ثم يليها إعداد دستور جديد، فما الجدوى إذن من التعديلات، إذا كنا سنعد دستورًا جديدًا فلنعده الآن إذًا, فهذه مزية للفريق الثاني, إلا أنها تصطدم بعدم رغبة المجلس العسكري في البقاء في الحكم أكثر من ستة أشهر, وكذلك تصطدم بما ذكر آنفًا عن سبيل تكوين الجهة التي سوف تعد الدستور وما يثار حولها من خلافات يستتبع بالضروة عدم الإجماع أو شبه الإجماع على ما يخرج عنها من دستور جديد, ولا ننسى أننا نصيغ عقدًا اجتماعيًّا جديدًا يجب أن نسعى إلى أن يلتف حوله غالبية أبناء الوطن.

 

- أرى أن توجيه جموع الشعب إلى إبداء الرأي سواء في الاستفتاء أو اختيار أعضاء المجالس المنتخبة في غضون فترة قصيرة من قيام الثورة لهو إنجاز عظيم للثورة المصرية لم يشهده التاريخ على الإطلاق؛ لأنه جرت عادة الثورات أن تأتي بأيديولوجية محددة، ومن ثم تقضي فترة طويلة من الحكم الثوري تقوم خلالها بإقصاء أصحاب الأيديولوجيات الأخرى ثم تقوم بعمل انتخابات هي متأكدة سلفًا من نتيجتها لصالح من يناصرون أيديولوجيتها, وهذا يتناقض مع ما جاءت به الثورة المصرية من دعوة للحرية والعدالة حتى لأعدائها ما داموا ملتزمين بالنهج الديمقراطي السليم في الاختيار والحكم.

 

والقول بأن من قاموا بالثورة لم يؤطروا أنفسهم في أحزاب بعد حتى يقدموا أنفسهم للناس كمرشحين, وفي هذا الطرح أسوق ثلاثة أطروحات:

الأولى: هو أنه ليس كل ثائر يصلح أن يكون ممثلاً عامًّا للناس، وبالتالي ليس من الضرورة أن يتمثل كل الثوريين في المجالس المنتخبة في أول تشكيل لها, وبالفعل هناك بعضهم له شعبية في منطقته يستطيع أن ينافس بها.

 

الثانية: هناك ضمانة التداول السلمي للسلطة التي أقرتها التعديلات, وحرية التعبير, فإذا أتت الانتخابات بمن هو لا يؤدي دوره بشكل جيد, فيمكن للشعب أن لا يعيد انتخابه الدورة القادمة.

 

الثالثة: صناعة الشعبية وتعريف الناس بك كمرشح محتمل أمر يحتاج إلى جهد طويل، ووقت أطول, والوقت الذي يكفيك أنت لصناعة شعبيتك, ليس بالضرورة أن يكفي غيرك, فمن ننتظر وإلى متى؟ وعلى هذا فإن هذه مزية لمؤيدي التعديلات الدستورية الحالية.

 

- رجوع القوات المسلحة إلى ثكناتها ومهمتها الأساسية في أقرب وقت لهو ميزة لأصحاب التعديلات, وقد يقول قائل: فلنشكل مجلسًا رئاسيًّا ويعود الجيش إلى مهمته, وهنا السؤال, مَن هم أعضاء المجلس الرئاسي؟ ومَن يختارهم؟ وما هو مدى الإجماع عليهم؟ (مع ملاحظة أن تعيين ملاحظ البلدية الآن أصبحت عليه اعتراضات).

----------------------

[email protected]