- د. محمود خليل: النخبة الليبرالية تحاول إثارة الفزع

- طلعت رميح: الإعلام وجه حربة على خصوم مالكيه

- أحمد السيوفي: الردح والتخوين سمة ظاهرة لإعلامنا

 

تحقيق: يارا نجاتي

فجأة وبدون سابق إنذار تحولت أغلب موجات الإعلام المصري إلى الهجوم المباشر على حزبي "الحرية والعدالة"، و"النور" كممثلين للتيار الإسلامي، وذلك بعد حصولهم على الأغلبية في نتائج انتخابات المرحلة الأولى، وكرّسوا طاقاتهم بالكامل لإفزاع المصريين من وصولهم إلى البرلمان، موجهين الكثير من الاتهامات للمواطنين على سوء الاختيار الذي سيقضي على مصير البلد.

 

ووصل الأمر حتى قال البعض "رحم الله حسن البنا لو لم ينشأ جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 لما وجد الإعلام ما يتحدث عنه وسط الهدوء الذي يحيط بالبلد باستثناء الجلبة التي يحدثها الإعلام رفضًا لنتائج الانتخابات".

 الصورة غير متاحة

 فهمي هويدي

 

ووصف الكاتب الكبير فهمي هويدي في أحد مقالاته بجريدة (الشروق) ما ظهر على شاشات أغلب الفضائيات والجرائد المصرية منذ ظهور المؤشرات الأولية لنتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية، بأنها "مناحة"، ضاربًا المثل بالحوار الذي نشرته جريدة (الأهرام) مع الدكتور محمد أبو الغار "رئيس حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي" تحت عنوان رئيسي هو: التيار الإسلامي يدير مخططًا لاغتصاب البرلمان والحكومة.

 

وأضاف هويدي لم يكن المنشور حوارًا حقيقيًّا مما نعهده في المدارس الصحفية، لكنه كان آراء بسطها المحرر لكي يكملها الدكتور أبو الغار، حتى وجدنا أنفسنا إزاء "دويتو" يتبادل فيه المتحدثان التعبير عن آرائهما، من نوعية (التيارات الإسلامية مارست الخديعة على الأحزاب والقوى الليبرالية وضللتها في المعركة الانتخابية، التيارات الإسلامية تخطط للانقضاض على المشهد السياسي خلال الفترة القادمة، نتصور أن انغلاق قيادات التيارات الإسلامية على ذاتها يقود الحياة السياسية صوب الخطر).

 

وعينة أخرى نشرتها جريدة (المصري اليوم) يوم  2/12 على صفحتها الأولى ظهرت عناوين كـ(14 طعنًا تتهم الإخوان والسلفيين بالتزوير، صحف أمريكية: مصر تتجه نحو إمارة إسلامية، عكاشة: إحباط المصريين جعلهم متلهفين على من يوصلهم إلى الجنة)، وعلى إحدى الصفحات الداخلية نشر مقال ذكر: (أن مصير هذا البلد أصبح في يد 40% من الجهلاء والفقراء).

 

وتم التركيز على اتهامات محدودة ضد حزب الحرية والعدالة بأن عددًا من أعضائه قاموا بدعاية لمرشحيه في اليوم الأول للانتخابات، على الرغم من إثبات كل المراكز الحقوقية أن هذا الخطأ وقعت فيه كل الأحزاب والمستقلين يومها.

 

كما عملوا على إيهام الجماهير أن التيار الإسلامية انفردت وحدها بحكم البلاد غير مفرقين بين برامج الأحزاب، إلى جانب أنهم اعتبروا نتيجة المرحلة كأنها نتائج المرحلة الأخيرة، رغم أنها قابلة للتعديل والانقلاب خلال الجولتين التاليتين.

 

(إخوان أون لاين) يناقش الخبراء حول أداء الإعلام المصري في الفترة السابقة، والأسباب التي وقفت وراء هذه التغطية في سطور التحقيق التالي.

 

استقطاب ديني!

 الصورة غير متاحة

د. محمود خليل

ويقول الدكتور محمود خليل أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، إن الإعلام الخاص تَدافع بكثافة لتغطية هذه الانتخابات من خلال توفير مراسلين بمختلف اللجان في المحافظات التي تجري بها المرحلة الأولى، واجتهد في تسليط الضوء على عمليات الاستقطاب الديني سواء الإسلامي منها أو المسيحي، مستنكرًا إغفالها الاقتراب ولو من بعيد من الأسلوب المتذبذب الذي أدارت به اللجنة العليا للانتخابات العملية الانتخابية حتى الآن، وبرز في تضارب بالأرقام المعلنة، أو الأحكام القضائية التي صدرت بإيقاف الانتخابات في بعض الدوائر.

 

ويصف تغطية الإعلام الرسمي بأنها عانت الكثير من القصور في الأداء، بدءًا من قلة عدد المراسلين التي اعتمدت عليهم الوسائل الرسمية، وكذلك ضعف الخبرات لديهم، بحيث لم يتمكنوا من طرح الأسئلة والوصول إلى الثغرات والسلبيات أو حتى الإيجابيات فيما يقدمونه.

 

ويتابع: كل ما ظهر عن الانتخابات في القنوات الفضائية لم يكن سوى حرب أعصاب بين النخبة الليبرالية التي تتمتع بالحضور في أغلب القنوات الفضائية من جهة، وبين ممثلي التيارات الإسلامية التي تتمتع بحضور أقل يقتصر على قنوات بعينها من جهة أخرى، مضيفًا أن النخبة الليبرالية حاولت إثارة الفزع لدى الشعب المصري حول صعود حزبي "الحرية والعدالة"، و"النور" خلال المرحلة الأولى من الانتخابات، وكأن مصر تسير في اتجاه الدولة الدينية.
ويؤكد أن الإعلام مازال غارقًا في إحداث نوع من الجلبة والضوضاء دون المساهمة في تقديم دوره الحقيقي من توعية المواطنين بشرح آليات العملية الانتخابية في البداية، ولا يحاول تنمية وعي المصري بطبيعة استحقاقات هذه المرحلة، المرتبطة بحال الأغلبية في مجلس الشعب القادم، وأن المواطن صار يملك حق العزل كما امتلك حق الاختيار.

 

ويشدد على أن الفزاعة الحقيقية ليست فزاعة وصول الإسلاميين إلى الحكم؛ بل الشعب هو الفزاعة الحالية، بعد أن تغيرت المواقع عقب ثورة 25 يناير، وأصبح هو السلطة.

 

غيرت جلدها

 الصورة غير متاحة

طلعت رميح

ويؤكد طلعت رميح "الصحفي والمحلل الإستراتيجي"، أن الإعلام الخاص أو ما يسمى بالإعلام الليبرالي أنهى علاقته مع الحيادية في تعامله مع نتائج الانتخابات البرلمانية، وتحول إلى نمط الإعلام الحربي الذي يشن حملات مضللة ضد التيار الإسلامي، موضحًا أنهم استخدموا كل الوسائل في المحاولة للتأثير على تصويت الناخبين خلال الجولتين القادمتين في الانتخابات، وشنوا حربًا تخويفية من التيارات الإسلامية التي تمكنت من الوصول إلى المواطنين وإقناعهم بالتصويت لها.

 

ويضيف أنهم وضعوا الشعب المصري بين خيارين أولهما الليبراليين وبهم يحصلون على الجنة في الدنيا، أو الإسلاميين وما يتبعهم من الحصار والوقوع في الفتن والحروب مع العالم الخارجي، ضاربًا المثل بما قامت به بعض القنوات بالتركيز على توجيه المصريين إلى انتهاء عهد الدولة المدنية وتفزيع السيدات من انتهاء حقوقهن، وتهديد الفقراء بالجوع نظرًا لأن الإسلاميين سيقضون على السياحة في مصر!!.

 

ويشير إلى أن أغلب الفضائيات المصرية وقعت في ذلك المحظور، بسبها للشعب المصري وإدعائها بجهله، عن طريق ما نسبته إلى تصويت الملايين من الناخبين بدون معرفة توجّه المرشحين، أو من أجل بعض المال، أو السلع التموينية.

 

ويبين أن كل وسائل الإعلام ركزت على حصول التيار الإسلامي على الأغلبية في المرحلة الأولى، وأهملت النسبة الكبيرة التي حصل عليها تحالف "الكتلة المصرية"، مقارنة بكونه تحالفًا حديثًا لا أرضية له في الشارع، مرجعًا ذلك التغافل إلى أن الإعلام ركز على من رأى فيهم خصومه، وتوقعوا نجاح الحملة التي شنوها طوال الفترة الماضية على الإسلاميين؛ لكنهم فوجئوا بنتائج الانتخابات فأصابهم الفزع.

 

ويؤكد أن تلك الوسائل قامت مع سبق الإصرار بعدم ذكر نسبة الكتلة المصرية، حتى لا يذكروا حصولها على هذه النسبة بدعم فيه مشاكل سواء باستقطاب ديني وخلافه لحشد ناخبين في صالحهم.

 

ويدلل على حديثه بتحول الإعلام الخاص من الليبرالية كما تدعي إلى الديكتاتورية التي لا تحرص سوى على تنفيذ آرائها وحدها، بالتغيير الشامل الذي حدث في موقفها بعد المطالبة بحصول حكومة شرف على صلاحيات كاملة، وتعود الآن لترتد على اختيار الشعب وتستنكر تشكيل الأغلبية البرلمانية المنتخبة للحكومة، كما أيدت من قبل وثيقة السلمي وتجاهلت رأي ودور الشعب في تقرير مصيره، فغيرت جلدها من داعمة للديمقراطية إلى رافضة لها.

 

التفاهات

 الصورة غير متاحة

أحمد السيوفي

أما "التحيز" فكانت السمة التي وصف بها أحمد السيوفي مدير مكتب قناة (العالم) الفضائية، بالقاهرة المضمون والتحليل الذي قدمه الإعلام تعليقًا على نتائج انتخابات المرحلة الأولى للبرلمان، موضحًا أنها ابتعدت عن الحيادية والموضوعية فيما يتعلق برؤيتها لتقدم التيار الإسلامي في نتائج الانتخابات، فاقتصرت على الردح والتخويف والتخوين السياسي، ففضحت كل من يضعون أنفسهم في إطار التيار الليبرالي، بانحيازهم لآرائهم الخاصة دون الالتفات للشعب المصري الذي أدلى برأيه في الصندوق.

 

ويؤكد أن القليل من الوسائل الإعلامية في مصر هي التي وقفت على مسافة واحدة من كل التيارات السياسية المختلفة، أما الأكثرية المتبقية حاولت الانتصار لموقفها السياسي على حساب معايير أهم لدى المواطن المصري كالمهنية والشفافية.

 

ويضيف أن الكثير من الإعلاميين والكتاب الصحفيين أظهروا خوفهم من صعود التيار الإسلامي غافلين القضايا الحقيقية التي لا بد من مناقشتها، وإجراء الحوارات من أجلها، كمسائل التنمية والإصلاح السياسي والاقتصادي.

 

ويقول إن الذي أثار الفزع لدى الوسائل الإعلامية وجعلهم يتحدثون عن نتائج المرحلة الأولى وكأنها نهاية تشكيل البرلمان، هي القراءة السياسية للنتائج بناءً على التاريخ والواقع على الأرض، وخوفهم من حصول الحرية والعدالة على مقاعد أكثر في المرحلتين الثانية والثالثة.