شهدت انتخابات 2011م الأولى في نزاهتها ممارسات غريبة؛ حيث تم حشد كثير من الناخبين للتصويت إلى أحزاب بعينها واستعمل في ذلك بعض الممارسات غير الأخلاقية وعندما يتم العتاب يكون الرد إن "الحرب خدعة" بمعنى أنه يجوز فيها ما لايجوز!!، وأن الضرورات فيها تبيح المحظورات، وهو كلام خاطئ لا يصح أن يكون في انتخابات تمثل نموذجًا من المنافسة التي يجب أن تكون شريفةً عندما يُتاح للمصريين الحرية عند اختيار مرشحيهم دون تزوير فج عانينا منه عشرات السنيين!.

 

لقد كانت ممارسة السياسة بالنسبة للإخوان إثبات أن الدين عندما يتدخل في السياسة يرفع من شأن ممارستها فتصبح الأخلاق أصلاً في التعاملات، والصدق ديدن في الوعود والأحاديث، والتواضع صفة للمسئولين، وحتى لا تقترن كلمة السياسة بالانتهازية والكذب والنفاق والنصب، ولأن الحكم أصل من أصول الإسلام والحرية فريضة من فرائضه؛ كان خيار الإخوان ضد شعار لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة، وهو خيار صعب لأنهم بذلك يضعون قيودًا في أيديهم وعلى رقابهم أمام المصريين!، ويفند لماذا أراد من رفع هذا الشعار أن يتخلص من الدين وأخلاقه عند ممارسته للعمل السياسي!، ببساطة كي يمارس الفساد والتلون والكذب وسوء الخلق بعيدًا عن رقابة الشعب وقيود الأخلاق!.

 

وقد أثبت الإخوان سابقًا وحزب الحرية والعدالة اليوم أنه يمارس السياسة بخُلق دون خداعٍ أو كذب، فوثق فيه أبناء الشعب، وقد نجح بفضل الله ثم بفضل حسن تربيته في إثبات المعادلة الصعبة عندما مارس العمل العام والسياسي بأخلاق المسلم، وأن أبناءه قد خدموا في كل مكان باعتبار ذلك تعبدًا إلى الله تبارك وتعالى، فلم يفرحوا بما حصلوه ولم ييأسوا على ما فاتهم، وما زالوا يقدمون نموذجًا في الأداء يشهد لهم به المنصفون!.

 

لم نُفرِّق في تعاملاتنا بين المصريين مسلمين كانوا أو مسحيين، أغنياء كانوا أم فقراء، بل كان الحرص على إقامة العدل هو ديدننا في ذلك، لأننا ندرك أن العدل فريضة شرعية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)) (المائدة).

 

وفي ظل هذه المعاني لا يمكن أن نتصور أن الانتخابات التي هي بداية المشاركة السياسية الفعالة بتفويض شعبي هي حرب يُباح فيها الحرام أو تُنتهك فيها الثوابت.

 

خلاصة ما أريد أن أصل إليه أن الانتهازية والكذب واستحلال الحرام ليست من أخلاق الإسلام ولا علاقة لهم بالعمل السياسي الشريف ولا بالانتخابات حتى لو صوَّرها البعض ممن ضاق أفقهم وقلَّ فقههم على أنها حرب!!، وكل ذلك لن يؤثر في انتخابات هي الأولى من نوعها من حيث إقبال المصريين عليها ومن حيث نزاهتها!.

 

الثوار ونجاح الاختبار

بعد أحداث ماسبيرو وشارع محمد محمود ومجلس الوزراء وما ترتب عليه من إسالة دماء للمصريين وأحزان طافت على بيوت كثير من المصريين، وفي ظل اتهاماتٍ لطرفٍ ثالثٍ تدخَّل لإفساد العلاقة بين الجيش والشعب؛ يبرز تساؤل بديهي لماذا يترك المجلس العسكري الأعلى الأمور تتطور دون أن يكشف عن هذا الطرف الثالث! ولماذا يترك الشباب ووسطهم البلطجية والمأجورون دون تدخلٍ طوال هذه الفترة؟ هل للإساءة للشباب الذي يرى أن حريته التي نالها بعد ثورة 25 يناير تتآكل يومًا بعد يوم دون أي تقدم في ملفات مطاردة الفساد وتطهير مصر من المفسدين وبطء المحاكمات وعدم حساب أي من المتهمين بقتل المصريين؟ أم أن هناك ضغوطًا وتهديدات من الخارج ومن الداخل تمنع هذه الإجراءات؟ الشعب يريد أن يعرف مَن هم الذين يؤجرون الشباب من محافظات مصر للذهاب إلى ميدان التحرير لممارسة العنف وتشويه صورة الشباب الذي يُعبِّر عن رأيه بشكل سلمى؟!.

 

نريد أن نعرف مَن قتل الشيخ عماد عفت صاحب الفتوى الشهيرة بتحريم التصويت للفلول من مسافة لا تزيد عن 5 أمتار؟!!، نريد أن نعرف من المستفيد من إحراق تاريخ مصر في المجمع العلمي ومن سرقة المتحف المصري؟!!، نريد أن نعرف مَن المستفيد من إسقاط هيبة الدولة باستمرار الغياب الأمني ومحاولة اقتحام مجلس الوزراء وإحراق مجلس الشعب؟!!.

 

واستفساري هنا في ظلِّ غياب التوافق بين قوى الثورة المصرية لماذا لا يرفع الشباب الثائر المحترم اعتصامهم لتسهيل الفرز والقبض على الطرف الثالث الذي حيرنا وكشف مؤامرة الفلول التي تُدار من طره بأموال المصريين التي نهبت منهم على مدار عشرات السنين؟!

 

أرجو الاستماع إلى صوت العقل لاستراحة المقاتل مع ترك مهلة لإنهاء التحقيقات وتحديد الجناة وإعلان ذلك على الملأ بعيدًا عن التسويف والوعود التي لا تتحقق؛ ما يثير القلق في نفوس المصريين الراغبين في الاستقرار وبدء مهمة البناء والتنمية في مصر كي يحصد المصريون ثمار ثورتهم عند الاحتفال بذكراها الأولى.. والله من وراء القصد

---------

* أستاذ جامعي وقيادي بحزب الحرية والعدالة