لا شك أن كل الأزمات المصرية الحالية مرتبطة بتدخلات صهيونية, فلم تهدأ حتى الآن الهزات الارتدادية الناتجة عن زلزال ميدان التحرير الذي ضرب "الصهاينة" بقوةٍ عجَز مؤشر "ريختر" لقياس الزلازل عن ملاحقته وقياس قوته، وما زال "تسونامي" الثورة المصرية يثير الرعب داخل تل أبيب، رغم مرور أكثر من عشرة شهور على انفجار البركان الهادر في التحرير، والذي كان أهم نتائجه هو أن الحمم البركانية جرفت في طريقها "الكنز الإستراتيجي" الأكبر في تاريخ بني صهيون؛ الذي ظل يعمل في خدمتهم وحماية مصالحهم طوال ثلاثين عامًا.

 

ولو حاولنا رصد حالات الهلع لدى الصهاينة من الثورة المصرية فسنبدأ بآخر وأهم حدث في مسيرة الثورة، وهو الانتخابات البرلمانية التي أسفرت عن فوز التيار الإسلامي، وعلى رأسه جماعة الإخوان المسلمين بأغلبية في البرلمان؛ فقد أدى فوز الإخوان وحلفائهم بالأغلبية إلى هلع وقلق بالغ لدى الصهاينة على اتفاقية كامب ديفيد، ومن إمكانية أن يقوم الحكام الجدد من الإسلاميين بإلغاء الاتفاقية أو على الأقل العمل على تعديل بعض بنودها، ووصل الرعب لدى العدو إلى إصابة قادتها بحالة من فقدان التوازن وإطلاق التصريحات التي تؤكد أن الحرب مع مصر قريبة وقادمة لا محالة.

 

ودخل على الخط الراعي الأمريكي الأول في العالم للصهاينة، وتوالت زيارة المسئولين الأمريكيين للقاهرة للحصول على تطمينات وتعهدات بالحفاظ على كامب ديفيد، ووصل الأمر ببعض المسئولين الأمريكيين إلى الربط بين الحفاظ على كامب ديفيد واستمرار المعونة الأمريكية البالغة حوالي مليارَي دولار سنويًّا.

 

وبلغ بالأمريكيين في سعيهم للحصول على تطمينات على مستقبل الاتفاقية إلى قيامهم لأول مرة في التاريخ بعقد اجتماع عالي المستوى مع قيادات جماعة الإخوان المسلمين في مقر حزب الحرية والعدالة- الذراع السياسية للجماعة- مثَّل الجانب الأمريكي فيه جون كيري، المرشح السابق للرئاسة الأمريكية ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونجرس.

 

أما إذا استعرضنا المكاسب التي حققتها مصر والعرب على حساب العدو على خلفية حالة الرعب التي تهز أركانها؛ فلن يستطيع أحد تجاهل حالة الإذلال التي وصل إليها الكيان الصهيوني الذي تحطَّم غروره وعنجهيته واضطر إلى تقديم اعتذار رسمي هو الأول من نوعه في التاريخ عن جريمة قتل ضابط مصري و5 جنود على الحدود الدولية لمصر، وهو حدث غير مسبوق في تاريخ هذا الكيان العنصري الذي لم يعتذر قط عن جرائمه، ويعتبر دماء العرب والمسلمين أرخص من أن يكلف نفسه بالاعتذار عن سفكها، ولعل جريمة الاعتداء على الأسطول التركي وقتل أكثر من 10 أتراك ورفض الاعتذار عن ارتكاب هذه الجريمة ما زالت ماثلة في أذهاننا.

 

ومن مكاسب الثورة المصرية أيضًا صفقة تبادل أكثر من ألف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال مقابل الجندي جلعاد شاليط، وهي الصفقة التي عجز نظام مبارك عن إتمامها منذ سنوات.

 

وأخيرًا نشير إلى نظرة الكيان الصهيوني لمصر قبل الثورة وبعدها؛ حيث كان الحاخام الأكبر لليهود يدعو ويصلي لمبارك حتى يطيل الله عمره ويظل إلى أبد الدهر حاكمًا لمصر، وكنا نرى حكام بني صهيون بصفة دائمة في شرم الشيخ مقر حكم مبارك يتردَّدون عليه للتنسيق معه وإنشاء تحالف في مواجهة ما يسمى بالتطرف والإرهاب، ثم انقلب المشهد وأصبحت مصر مصدرًا للخوف والرعب، خاصةً مع اقتراب الإسلاميين من السلطة، وأصبحت الحدود مع مصر مكانًا محتملاً للحرب, فهل ستنتهي المحاولات الصهيونية لإحداث المزيد من الأزمات المصرية بأزمة "مجلس الوزراء".

 

----------
* رئيس جمعية المقطم للثقافة والحوار-
[email protected]