ما إن يهل هلال رجب إلا وتتعلق القلوب بالإسراء وحِكَمه، وتتطلع الأنظار إلى المسجد الأقصى الأسير، وما تعانيه الأرض المباركة من عدوان واحتلال وحصار، وكلما اقتربنا من ليلة الإسراء ازدادت أشواقنا إلى رمضان.. صيامه، وقيامه، وما حقق الله من انتصارات فيه؛ ذلك أن من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، فاللهم بارك لنا فيما بقي من رجب وشعبان وبلغنا رمضان.. هذا دعاؤنا، فماذا أعددنا ليحقق الله لنا أمنيتنا، ويستجيب دعاءنا، فهو القائل سبحانه فيما أنزل من آيات صيام رمضان: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)) (البقرة).

ونستطيع أن نحدد معالم هذه الاستجابة وهذا الإعداد المطلوب في واجبات كلٍّ منّا نحو نفسه وبيته، ثم نحو مجتمعه ووطنه، ثم واجباتنا جميعًا نحو ما يجري على أرض الإسراء.

أما واجبات كل منّا نحو نفسه وأهله فعلى رأسها أن يتحرى الحق، ويخلص النية، ويحسن العمل، فيكون قوّامًا بالقسط شهيدًا لله، ولو على نفسه، أو الوالدين والأقربين، يأمر أهله بالصلاة ويصطبر على أدائها في جماعة، مشجعًا لصغيرهم قبل كبيرهم على الإقبال على مراجعة القرآن وتدبره، والتخلق بأخلاقه، والصيام في هذه الأيام المباركة، ثم حثهم على أن يكونوا من الذين يطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا، يصلون أرحامهم، ويؤدون حق جيرانهم، حتى إذا جاء رمضان وجدهم منتهين عن الموبقات متعفّفين عن الصغائر، معرضين عن اللغو، مقبلين على الطاعات، تتجافى جنوبهم عن المضاجع، يدعون ربهم خوفًا وطمعًا، جوّادين بالخير، مقتدين برسولهم صلى الله عليه وسلم؛ الذي كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، وأعدوا أنفسهم لليلة القدر؛ التي من قامها إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه، وزاده الله من الثواب ما هو خير من عمل صالح في ألف شهر.

أما واجباتنا نحو أوطاننا ومجتمعاتنا.. فالأولوية لصبغ مجتمعاتنا بالصبغة الإسلامية، وتحقيق الاصطفاف الوطني، والتصالح المجتمعي، بإشاعة الخير، وعمارة المساجد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والسعي في حاجات الناس، وعيادة المريض، وإغاثة الملهوف، ونصرة المظلوم، وزيادة الوعي حتى يقدم الناس مصلحة الأوطان على مصالحهم الفردية، ويتعاونوا فيما اتفقوا فيه، ويعذر بعضهم بعضًا، وملاك كل ذلك أن يجتنبوا الزور وأهله، فمن لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.

ومن واجباتنا نحو أوطاننا ومجتمعاتنا كذلك أن نتعهد هذه المجتمعات بالدعوة بالحسنى، وتقديم القدوة، والمسارعة في البذل والتضحية؛ حتى نهيّئ مجتمعاتنا لنضال سلمي وحراك مجتمعي مستمر، يُذهب اللهُ به العجز والقهر اللذين يعاني منهما كثير من فئات المجتمع في أيامنا هذه؛ عسى الله أن ينقذ أوطاننا من اليأس المدمّر، ويحيها بالأمل في رحمته؛ فإن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم؛ عسى الله أن يكف بأس الظالمين، ويصرف كيد الخائنين، ويرد مكر الماكرين إلى نحورهم، ويشغلهم بأنفسهم، ويرد أمتنا إليه ردًّا جميلاً، ويرزقنا في رمضان هذا أو ما بعده يوم مرحمة، كيوم الفتح؛ حيث أظهر دينه، وعظمت فيه الحرمات، وحقن فيه الدماء.

أما أرض الإسراء فالأولوية للحشد والرباط في الأقصى؛ لردع الاحتلال عن تدنيسه أو تخريبه، ودعم المقاومة في ردعها أي عدوان من المحتل، والاصطفاف خلفها لفكّ الحصار، والمطالبة بحق العودة، والحشد لمسيراتها السلمية.

ولا شك أن توافق ذكرى الإسراء مع ذكرى "يوم الأرض" كما يوقظ الأمة العربية والإسلامية فإنه يوحد المشاعر الوطنية، ويمنع تشرذم الأمة، ويجمع الفصائل الوطنية والإسلامية للحشد في مسيرات العودة والرباط في الأقصى؛ فيصبح تمام هذا الحشد بدايته "يوم الأرض" وذروته بإذن الله ليله القدر؛ عسى الله أن يمنَّ علينا بنصر كنصر يوم بدر (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)) (آل عمران)

(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)) (يوسف: من الآية 21)

فاللهم بلغنا رمضان، وأحسن إعدادنا، واستجب دعوتنا

د. محمود عزت 

القائم بأعمال فضيلة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين

الثلاثاء 26 رجب 1440 هـ = 2 أبريل 2019 م