بقلم: الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله
يمضي العام، موقرًا كاهل الناس بأعباء الحياة، ومتاعب السعي على الرزق، وتضارب الآراء في كل مناحي الحياة .. اجتماعية .. اقتصادية .. غذائية .. سياسية .. أية تناقضات يبعثها تباين العقول في وزن الأمور، ولا مهرب للخلق من هذا كله، فهو سنة الكون مع بنيه والضاربين في جنباته .. طولاً وعرضًا.
ويأتي العيد، فتأتي معه بسمة الرضا والراحة، بإلقاء كل هذه المشكلات دبر الإذنين، واستقبال أيام العيد في هدوء الخاطر، وراحة الصدر، وسعادة البال، وبسمة لا تكلف صاحبها شيئًا، ولكنها فياضة بالخير الوفير بسمة تسعد من تلقاه بها، وتمنح معطيها الشيء الكثير بسمة تمر كومضة الجفن، مخلفة ذكريات لا تفنى ولا تزول. بسمة أراد الذي أضحك وأبكى أن يمتع بها الفقير، بالقدر الذي يستمتع به الثري أو أكثر. بسمة تشيع البهجة في جنبات البيت والمجتمع، بسمة تخفف العبء وتعين على حسن العمل.
وإذا كانت الصلات الطيبة بين الناس في حاجة إلى عقد، فالبسمة الودود هي التوقيع على هذا العهد الجليل، إذا كانت القلوب أوعية مغلقة فالبسمة هي مفتاح هذه المغاليق، وإذا استعصى قضاء الحاجات على طالبيها، فالبسمة أكبر الأعوان على تحقيق الحلو من الأماني العذاب إذا اكفهر وجه الود بسورة من سورات الغضب، جاءت البسمة كقطرات الندى، تنعش الوسنان من البراعم والأزاهير.
إذا تعقد الجبين بالعبوسة جاءت البسمة بالنور الكاشف لظلمات العبوس إذا اضطربت خطوات السير في خضم الحياة فسببت خوفًا أو قلقًا جاءت البسمة تشتيتًا للاضطراب، وأمنا للمخاوف. البسمة براعة الاستهلال عند اللقاء، وحسن الختام عند الانصراف.
البسمة دلالة الخلق الحسن، وعلامة القلب الطيب، البسمة وسيلة كل خير وكفاية كل شر، البسمة مانحة الهناء ومانعة الشقاء، هي النور إذا أجدبت الحياة، وهي الرذاذ إذا جف طريق الحياة، هي صمام الأمان إذا حمى وطيس الضوء الراقص على بسمات الشفاه هي أبرع وسائل الإقناع.
عيد يشيع البشر
كل هذا تفعله بسمة العيد، إذا دخلت أيام العيد، مؤمنًا بأنه عيد، جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدًا، يشيع البشر بين المسلمين، من لبس الجديد، وزيارات الوداد، وتبادل التهاني والدعوات، فاستقبل العيد بفطرة العقل، وينابيع الروح، تسعد كل أيان العيد، واستقم فالخط المستقيم أقرب المسافات بين نقطتين، كذلك الاستقامة أقرب الطرق إلى التقوى والصلاح.
افرح بالعيد، واستقبله لما شرع من أجله، فهو فارق بين البشر والنكد، واجعله خاتمة الصراع بين الحق والباطل .. وأجنح إلى الحق وإذا ثار الصراع بين الأثرة والإيثار، فاجعل العيد جاذبك إلى الإيثار، وإذا شاهدت الحرب الضروس بين الظلم والعدل طوال العام فأهتف في العيد من كل أعماقك بحياة العدل.
وإذا مرت بك طوال العام مفارقات بين الحرية والاستبداد، فانتصر للحرية بكل قواك، واجعل عيدك وفقًا على عبادة الواحد الديان، واكفر بعبادة الأصنام سواء أصنعت من حجر أو من لحم وعصب. كل ذلك صراع عالمي، منذ بدء الخليقة إلى اليوم، الغد، إن أراد الله فما نحن فيه اليوم ليس علينا بالجديد.
انتهى رمضان، ودخل في التاريخ، كفترة من فترات حياتك، العامرة بالخير، بالصلاح، بالدعوة إلى الله، بالصبر الجميل احتمالاً لكل ما تلقاه، ولا تنس أن الصبر الجميل هو الذي لا يكون معه تذمر ولا ضيق ولا قلق. أما وقد فارقت رمضان آسيا، أما وقد أديت فيه من الطاعات ما أديت، فقد جاءك العيد، يحمل إليك الجزاء الوافر، من رب رمضان ورب العيد، أليس العامل إذا أدى عمله في تفان، استحق الأجر في أكمل صور الإحسان، ومن من؟؟ من الكريم الواسع العطاء، المستحق لكل الحمد والثناء، وما أدراك ما يعطي الكريم، أنه يوفي كل عمل طيب أجورًا بلا حساب. فهل تفرح في العيد؟؟ أعتقد ذلك، فقد امتلأ قلبك بذل العبودية للفرد الصمد،فخالفت كل مألوف لك صابرًا آملاً راضيًا، فماذا بعد الرضا، إلا عظيم الثواب!!
كن جنديًا
هل لي أن أقدم لك هدية العيد، قف في عيدك إلى جانب الله فهو العدة العظمى في نجاح الدعوة إلى الله وانتصارها، وهدية أخرى .. كن جنديًا في دعوة الله، وثق أنه لا انتصار لك في هذا الميدان إلا بتقوى اللع تراني ذهبت بك بعيدًا عن مظاهر العيد ومقتضياته؟؟ أبدًا إنه العيد، وأيام العيد وعيد شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذه أسلافنا كما أراده دين الله، وحقًا إنه عيد، عيد هذا العام، له طابعه الخاص، طابع يقظة الاتجاه إلى دعوة الله، طابع الشباب المقبل المتأثر بجلال دينه وجلاله، عيد إصرار هذا الشباب على المضي في الانتصار لدعوة الله، رغم كل المضايقات، العوائق، المصاعب، المعوقات. إصراره على الاقتناع الكامل بسمو هذا الدين، ووجوب التمسك به حتى التضحية، والانتصار له حتى الفداء. كل عام وأنتم بخير، وأنتم على هدى، وأنتم في أمن، وأنتم في جد واجتهاد وجهاد .. فالجهاد سنام الأمر في هذا الدين، وهو سمة الرجولة الحقة، وهو حصن الدعوة، إذا ما تكالب عليها من أضله الله على علم، وختم على قلبه وسمعه، وجعل على بصره غشاوة، إن لم يرفعها ربه فمن ذا الذي يهديه من بعد الله؟!
مرة أخرى يأتي العيد الجديد، وقد استتب الأمر لدعوة الله ويومها ﴿ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ﴾.
لمصدر: مجلة الدعوة: العدد (40)، غرة شوال 1399ه ـ سبتمبر 1979م، صـ (9،8)