عندما شاهدتُ مع أبنائي ما يحدث في غزة أشفقتُ عليهم كثيرًا مما رأوه، ولكنها كانت فرصة أن أشرح لهم القضية وأحاول أن أوضح لهم كثيرًا من المعاني العقدية والجهادية، فكانت هذه الكلمات:

 

لا تألم يا بني لما ترى وتسمع عن كثرة عدد الشهداء في غزة، فلنكن على يقين أن القصف اليهودي لم يُنقِص من عمر هؤلاء الشهداء لحظة واحدة؛ فهؤلاء آجالهم قد كُتبت وهم بعد في أرحام أمهاتهم، ولقد مات أضعاف هذه الأعداد في الزلازل والانهيارات، ولكن شتان ما بين مَن يموت صابرًا محتسبًا في سبيل الله ومَن يموت في غير ذلك من المَواطن!.

 

ولا يزعجْك يا بني ويا بنيتي ما تشاهدانه من هذه الأشلاء الممزقة للشهداء؛ فإنهم لم يعانوا ألمًا؛ فقد أخبرنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة" (رواه الترمذي).

 

ولعل ما حدث لهم دليلٌ على عُلوِّ مكانتهم في الشهداء، علاوةً على علوِّ مكانة الشهداء أصلاً؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيد الشهداء حمزة"، فماذا كان حال جسد سيدنا حمزة حينما استشهد؟! كلنا نعلم أنه مُثِّل به؛ فجُدِع أنفه وأذناه، وبُقر بطنه، واستُخرجت كبده منها، وحاولت هند بنت عتبة- وكانت كافرة يومئذِ- أن تأكلها.

 

بل لعل أصحاب هذه الأشلاء كانوا قد صدقوا الله في نية الاستشهاد مثلما صدقها سيدنا عبد الله بن جحش يوم أحد، عندما دعا الله فقال "اللهم ارزقني رجلاً شديدًا حردُه، شديدًا بأسُه أقاتله فيك ويقاتلني، ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غدًا قلتَ: من جدع أنفك وأذنك، فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول: صدقت".

 

أليست هذه الميتة هي التي تحسَّر عليها سيدنا خالد بن الوليد أنه لم يَنَلْها حينما قال حين حضرته الوفاة: "ما في جسدي موضع إلا فيه ضربة بسيف أو ضربة برمح، وها أنا ذا أموت على فراشي كما يموت البعير".

 

أمّا إن كنت تحزن يا بني يا حبيبي على مصير أبناء وزوجات هؤلاء الشهداء، وتخاف أن يأتيَ عليك وقتٌ تكون مثلهم- عافاك الله- فلا تدع هذا الخاطر يمر بك؛ فإن الله أرحم بهؤلاء الأمهات والأبناء من آبائهم وإخوانهم الذين اتخذهم الله شهداء، فسوف يتولاَّهم الله وينزِّل عليهم بركته ورحماته ولطفه الواسع سبحانه وتعالى، وهذا الذي لا يقدر عليه بشر.

 

ألم تقرأ في سورة الكهف أن الله أرسل سيدنا موسى وصاحبه ليصلح جدار اليتيمين؛ لأن أبوهما كان صالحًا، فما بالك عندما يكون الأب شهيدًا؟!

 

هؤلاء سيربِّيهم الله ويؤدِّبهم كما أدَّب رسوله الكريم وهو يتيم "أدَّبني ربي فأحسن تأديبي"؛ فالمربِّي هو الله تعالى، وإنما الأب والأم هما وسائل فقط، ولعلك تلاحظ أن عظماء العلماء في الإسلام أكثرهم مات آباؤهم وهم صغار، أمثال الشافعي والبخاري وغيرهما.

 

بُني.. تعالَ نحلم معًا ماذا ستفعل عندما يعود إلينا المسجد الأقصى الذي استشهد في سبيل تحريره هؤلاء الشهداء ومن قبلهم وعانى من أجله هؤلاء الجرحى في غزة والأرامل والأيتام.. تعالَ نحلم؛ فلعلك تكون ممن يدخلونه فاتحين مكبِّرين مُصلِّين:

 

أول ما ستفعله هو أن تُعيد إلى هذا المسجد بهاءه وجماله وتطهيره من الدنس اليهودي؛ بعدها ستذهب إلى قبور هؤلاء الشهداء الذين استشهدوا هذه الأيام ومن قبلهم ومن قبلهم وتقول لهم إن دمائكم لم تَضِعْ هدرًا، إن مثلكم مثل سيدنا حمزة بن عبد المطلب وسيدنا مصعب بن عمير؛ لم يشهدا فتح مكة ولكن هذا الفتح لم يكن ليتم لولا جهادهما واستشهادهما ومن معهما من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

سيكون بإمكانك يا بني أن تصليَ في المسجد الأقصى وتنال ثواب خمسمائة صلاة، ستشد الرحال إليه أنت وأسرتك، وستقابل إخوانك من سوريا والأردن والعراق الحبيبة، بل من كل العالم الإسلامي؛ فساعتها لن يكون هناك تأشيرات ولا حواجز، وستكون الخلافة بإذن الله، وستشهد المكان الذي تجمَّع فيه جميع الأنبياء، والذي شهد تكريم رسول الله بإمامته لهم، وستجد أفواجًا وملايين المسلمين يتجهون إلى المسجد الأقصى ليعمروه بالذكر والتسبيح والصلاة.

 

أوصيك يا بني حينما تصلي هناك أنت وأسرتك أن تتذكَّرني وأباك وتتَّرحم علينا وتستغفر لنا؛ فقد اغتُصب منا الأقصى ونحن أحياء، ولكن لعل الله يغفر لنا أنّا ربيَّناك على اتباع شريعته وحب الجهاد والمجاهدين.

 

ابني حبيبي.. كيف ستحافظ على المسجد الأقصى بعد أن تسترجعه بعدما رأيت بعينيك ما دُفع فيه من دماء الشهداء وآهات الجرحى والأرامل؟! أظنك ستكون وعيت الدرس، ولن تفرِّط فيه ولا في حبة زيتون من حوله.

 

لا تظن أن هذا الحلم بعيدٌ؛ فلم يكن ما بين هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة وهو ينظر إليها ويقول "والله.. إنك  لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أُخرجت منكِ ما خرج" وبين عودته إليها فاتحًا سوى ثماني سنوات فقط من التربية والجد والجهاد والصبر والمصابرة.

 

عليك أن تكون مثل المهاجرين والأنصار.. اهجر المعاصيَ وانصر المجاهدين وكن معهم واشرح قضيتهم لكل أصدقائك وتابع أخبار المجاهدين، وأدعو الله أن تكون منهم فتعيش مثلهم وأنت في وطنك.

 

اللهم اهدِ أبناء المسلمين، وأفهمهم، وعلِّمهم، واكفهم شرَّ مخططات أعدائهم، وافتح لهم فتحًا مبينًا للهداية إلى طريقك، وارزقهم الصحبة الصالحة، واجعلهم صحبة صالحة لغيرهم.. اللهم اهدهم، واهد بهم واجعلهم سببًا لمن اهتدى.. اللهم آمين.